قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية إيجاب الغسل على من غسل ميتا - للحديث المذكور، ولمالك في المختصر أن ذلك مستحب وليس بواجب، وقول ابن القاسم: وهو أحب ما سمعت فيه إلي - حمله ابن أبي زيد وغيره على أنه استحب الغسل، مثل قول مالك في المختصر. والظاهر عندي منه أنه إنما استحب القول بإيجاب الغسل، فهو مثل روايته عن مالك، وقد قيل إنه لا غسل عليه، وهو قول مالك في الواضحة، وعليه الجمهور؛ وهو الذي يوجبه النظر والقياس على الأصول؛ لأن غسل الميت ليس بحدث ينقض الطهارة مثل الجنابة؛ بدليل إجماعهم على أنه لا غسل على من غسل ما سوى الميت من الأشياء الطاهرة، أو النجسة؛ فمن أوجب الغسل جعل أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به عبادة لا لعلة، وحمله على مقتضاه من الوجوب، ومن استحبه ولم يوجبه، جعل أمر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - به لعلة؛ واختلفوا ما هي؟ فمنهم من قال إنه إنما أمره بالغسل ليبالغ في غسل الميت؛ لأنه إذا غسل الميت - موطنا على الغسل، لم يبال بما ينتضح عليه منه، فكان سببا لمبالغته في غسله؛ ومنهم من قال ليس معنى أمره بالغسل، أن يغسل جميع جسده كغسل الجنابة؛ وإنما معناه أن يغسل ما باشره به، أو انتضح عليه منه؛ لأنه ينجس بالموت، وإلى هذا ذهب ابن شعبان، فقال: لا يدخل الميت في المسجد؛ لأنه ميتة، وإليه ذهب محمد بن عبد الحكم في قوله: أنه ينجس الثوب الذي يجفف به الميت بعد غسله، خلاف قول سحنون في نوازله من بعض روايات العتبية؛ وهو دليل قول ابن القاسم في كتاب الرضاع من المدونة أن لبن المرأة الميتة الذي في ضرعها ينجس بموتها، لنجاسة الوعاء، فلا يحل شربه.

والصحيح أن الميت من بني آدم ليس بنجس، بخلاف سائر الحيوان التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015