التعليل الأول؛ لأن القسمة لما كانت غيرَ صحيحة وجب أن يكون ما تلف أو نَمَا من الجميع، وفيه دليل على وجوبا أداء الدين قبل وضع الحمل؛ لأنه يخرج من رأس المال قبل القسمة، ورأيت في حواشي بعض الكتب، قال الباجي: شهدت ابن أيمن حَكَمَ في ميت مات وترك امرأة حاملا أنه لا يقسم ميراثه ولا يُؤَدَّى دينُهُ حتى توضع الحمل فأنكرت ذلك عليه، فقال: هذا مذهبنا ولم يأت ابنُ أيمن بحجة، والصحيح أن يُؤَدَى دينه ولا ينتظر وضع الحمل، ولا يدخل في هذا اختلاف قول مالك في تنفيذ الوصية قبل وضع الحمل؛ لأن العلة في تأخير تنفيذ الوصية إلى أن يوضع الحمل على قول من رأى ذلك هي أنّ بقية التركة قد تتلف في حال التوقيف قبل وضع الحمل فيجب للورثة الرجوع على الموصى لهم بثلثي ما قبضوا ولعلهم معدمين أو غير معدمين فلا يجدون على من يرجعون.
وأما تأخير أداء الدين حتى يوضع الحمل فلا علة توجبه، بل توجب ترك التوقيف وتعجيل أداء الدين مخافة أن يهلك المال فيبطل حق صاحب الدين من غير وجه منفعة كان في ذلك للورثة وإذا وجب أن يقضي دينُ الغائب مما يوجد له من المال مع بقاء ذمته إن تلف المال الموجود له كان أحرى أن يؤدى الدين عن الميت من تركته لوجهين؛ أحدهما: أن الميت قد انقطعت ذمته.
والثاني: أنّ الحمل لا يجب له في التركة حق حتى يولد ويستهل صارخا، ولو مات قبل ذلك لم يورث عنه نصيبُهُ، والغائب حقه واجب في المال الموجود له لو مات ورِثه عنه ورثتهُ، فإذا لم ينتظر الغائب مع وجوب المال الذي يؤدى منه الدين الآن له، كان أحرى ألّا ينتظر الحمل إذ لم يجب له بعد في التركة حق، ومن قول ابن القاسم في المدونة وغيرها أنّ من أثبت حقا على صغير قُضِيَ له به عليه ولم يجعل للصغير وكيل يخاصم عنه في ذلك، فإذا قضي على الصغير بعد وضعه من غير أن يقدم له وكيل فلا معنى لانتظار وضع الحمل لِتَأدِيَةِ دين الميت، وهذا كله بين لا ارتياب فيه ولا إشكال والحمد لله.