مسألة قال مالك: إذا أوصى بثلث ماله يجعله حيث أراه الله فليجعله في سبيل الخير، وإن قال حيث شئت أو أَحْبَبْتَ فصرفه إلى أقاربه يعني أقاربَ الموصي أو إخوته فلم يُجِزْ الورثة ذلك فهي مردودة على كتاب الله.
قال ابن القاسم: إذا قال له حيث شئت فجعلها في بعض ورثة الميت، قيل له: اتق الله اجعلها في غيرهم، فإن أبَى إلّا فيهم ولم يُجِزْ ذلك الورثةُ كانت على موروثه على فرائض الله، قلت: ولا يجبره السلطان أن يجعلها في سبيل الخير، قال: لا ليس للسلطان في ذلك كلام.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إنه إذا أوصى إليه بثلث ماله يجعله حيث أراه الله أنه يجعله في سبيل الخير؛ لأنه لم يجعل الأمر في ذلك إلى اختياره، وإنما وكله إلى اجتهاده في أفضل وجوه البر وليس له أن يأخذه لنفسه ولا لولده ولا لِأحَدٍ من قرابته على ما قاله في رسم الشريكين بعد هذا وفي المدونة، بخلاف إذا قال له: اجعله حيث شئت أو حيث أحببتَ هذا إن أعطاه لولده أو لمن شاء من قرابته جاز ذلك؛ لأنه قد جعل الأمر فيه إلى اختياره، فله أن يفعل فيه ما شاء ما عدا أن يجعله لبعض ورثة الموصي فلا يجوز ذلك له إلّا أن يجيزه الورثة؛ لأنه يتهم أن يكون الميتُ أمره بذلك فتكون وصية لوارث.
فمعنى قوله: فصرفه بعض إلى أقارب الموصى أو إخوته أي أقاربه وإخوته الذين من ورثته، ولو صرفه إلى أقاربه وإخوته وهم ليسوا من ورثته لجاز ذلك، لا فرق بين أن يصرفه لقرابته نفسه أو لقرابة الموصي إذا لم يكن وارثا له، وقول ابن القاسم: إنه إن جعلها في بعض ورثة الميت قيل له: أتق الله اجعلها في غيرهم، معناه ما لم يبتل ذلك لهم فإن بتله لهم فلم يجز ذلك الورثة كانت موروثة على فرائض الله على ما قاله مالك، فقول ابن القاسم ليس بخلاف لقول مالك والله الموفق.