وكلامه هو الذي فيه النظر؛ لأنه حمل قول مالك على غير وجهه، فتأول عليه أنه أراد بقوله: " ولم ينظر إلى ما يقوله الورثة " أنه يعجل له العتق إذا أجازت الأم وطاعت، وإن لم يحمل ثلثه المرجعَ، وهو تأويل خطأ لا يصح أن يُتَأَوَل مثلُهُ على مالك، ومعناه إنما هو ما ذكرناه من أنه لا ينظر إلى قولهم إن أرادوا تأخير النظر في تقويم المرجع في الثلث إلى أن يموت إذا أجازت الأم، فالمسألة صحيحة بينة مستقيمة لا نظر فيها ولا اعتراض وبالله التوفيق.
ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل عن الرجل يحبس الحائط صدقة على المساكين أيقسم على المساكين بينهم تمرا أمْ يباع ثم يقسم ثمنا بينهم، فقال: ذلك يختلف، وذلك إلى ما قال فيه المتصدق، أو إلى رأي الذي يلي ذلك، واجتهاده إن كان المتصدقُ لمِ يقل في ذلك شيئا، إن رأى خيرا أن يبيع ويقسم ثمنه وإن رأى خيراَ أن يقسم تمره قسموه تمرا فذلك يختلف، وربما كان الحائط نائيا بالمدينة، فإن حُمِلَ أضَرّ ذلك بالمساكين حملُه، وربما كان في الناس الحاجة إلى الطعام فيكون ذلك خيرا لهم من الثمن فيقسم إذا كان هكذا فهو أفضل وخير، وهذه صدقات عُمر بن الخطاب منها ما يُباع فيقسم ثمنُهُ ومنها ما يُقسم تمرا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله إن ذلك مصروف إلى اجتهاد الناظر في ذلك إن لم يقل المتصدق في ذلك شيئا، وإن قال فيه شيئا وَحَدّ فيه حَدّا وجب أن يتبع قوله في صدقته ولا يخالف فيه حَدُّهُ وبالله التوفيق.