انقراض العقب إِن كانت معقبة، ولم يأخذ مالك في العُمْرى بحديثه الذي رواه في موطئه عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قال: «أَيُّما رَجلٍ أَعْمَرَ عُمْرَىَ لَهُ وَلِعقِبِهِ فَإنَّهَا للذِي يُعْطَاهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الذِي أَعْطَاهَا» لَأنَّه أَعْطَى عَطَاء وَقَعْتْ فِيهِ المَوَارِيث، وذهب في ذلك إلى ما رواه عن ابن القاسم بن محمد أنه قال: ما أدركت الناس إِلَّا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا، فقال معنى الحديث أن العمرى لا ترجع إلى الذي أعطاها حتى ينقرض العقب، بدليل قوله في الحديث فإنها للذي يُعطاها والذي أعْطِيِّهَا هو المُعْمَر وعقيبه فَوَجب أن تكون لهم بنص الحديث وترجع بعد انقراضهم إلى المُعْمَر بالتأويل الصحيح، إذ لا يصح أن يكون ملكا لجميع العقب فمن قال إن العمرى المعقبة تكون ملكا للمُعْمَرِ فقد خالف الحديث، ومالك أَسْعَدُ به.
ومن أهل العلم من قال إن العمرى تكون ملكا للمُعْمَرِ وإن لم تكن معقبة، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وجماعة من أهل العلم سواهم على ما روي عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من قوله: «مَن أُعْمِرَ شَيئا فَهُوَ لَه حَياتَهُ وَمَمَاتَهُ» ومن قوله أيضا: «العُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» ، ومن قوله أيضا: «مَنْ أُعْمِرَ عمْرَى فَهِي لَهُ وَلِعَقِبهِ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثهَا مِنْ عَقِبِهِ» ، ولم يصح عند مالك شيء من هذه الآثار وإنما صح عنده حديث جابر الذي ذكرناه فأخذ به على ما تأوله عليه من معناه.
ففي العمرى لأهل العلم ثلاثة أقوال أحدها: أنها تكون ملكا للمعمر قال فيها: هي لك عمرى أو هي لك ولعقبك عمري، والثاني: أنها تكون ملكا للمعمر في واحد من الوجهين وترجع إلى المُعْمِر ملكا بعد موت المعمَر أو بعد موته