ومن كتاب الأقضية الثالث وسئل مالك فقيل له: إن أرض مصر ينكشف عنها الماء، وبعضها لضيق بعض، فإذا بذر الناس الحبوب فربما أخطأ المرء، فزاد على حده من حد جاره، الفدان والفدانين، فبذر فيه، ثم ينظر بعد ذلك، فيوجد قد بذر في غير حقه، فيقول رب الأرض: أنا أعطيك بذرك، وكراء بقرك، قال مالك: ما أرى ذلك ولا أظنه، قال: فقيل له: فترى أن تكون تلك الأرض التي وقع فيها بذره له بكرائها؟ قال: نعم، أراها له بكرائها، وله الزرع.
قال محمد بن رشد: قوله: ما أرى ذلك، ولا أظنه؛ معناه: ما أرى ذلك بحوز، ولا أظنه يحل؛ لأنه صدقه فيما ادعاه من الخطأ والغلط، وعذره ذلك بالجهل، فوجب أن يكون له الزرع، ويكون عليه كراء الأرض؛ لأنه زرعه وهو يحسب أنه زرعه في حقه، بعد يمينه على ذلك، حسبما قاله أصبغ في نوازله من كتاب المزارعة، فلما وجب له الزرع، لم يجز لرب الأرض أن يأخذه ويعطيه بذره، وكراء بقره؛ لأنه يكون مبتاعا له بذلك، وسحنون لا يعذره في ذلك بالجهل، ولا يصدق فيما ادعاه من الغلط، ويحمله محمل الغاصب، فيرى الزرع لصاحب الأرض، ولا يرى للزارع شيئا إلا أن يقدر أن يجمع حبه من الفدان حسبما ذكرنا عنه في نوازل أصبغ من كتاب المزارعة، ولا خلاف في أنه لا يعذر في الغلط إذا تجاوز حده بالبنيان في البقعة، وبالله التوفيق.
من سماع عيسى من ابن القاسم
من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: وسألت ابن القاسم عن عبد اغتصب أو سرق،