أخذ المائتين فاستنفقها ثم مات، فإنه يقال للورثة: إن صاحبكم قد حابى بمائة ولا يحمل ذلك ثلثه من قبل أنه استنفق المائتين، فإما أن تمضوا بيعه وإما أن تختلعوا من ثلثه للمشتري، فإن أجازوا مضى البيع، وإن لم يجيزوا بيع من الدار بقدر المائتين التي استنفقها، ثم يكون للمشتري ثلث ما بقي من الدار بعد الذي بيع منها.

قال الإمام القاضي: اختلف في المريض يبيع في مرضه فيحابي في بيعه بأكثر من الثلث، مثل أن يكون له عبد قيمته ثلاثمائة دينار فيبيعه بمائة دينار ثم يموت ولا مال له غيره على ثلاثة أقوال: أحدها: أن الورثة يخيرون ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن يمضوا للمشتري من العبد ثلثه بالوصية وثلثه بالمائة التي دفع، وهذا إذا كانت قيمته على حالها والمائة باقية، وهو قول ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا.

والثاني: أنه يمضي منه للمشتري بالثمن قدر ما لا محاباة فيه ثم يخير الورثة في المحاباة فإن شاءوا أجازوها وأمضوها وإلا قطعوا له بثلث الميت وهو ثلث العبد إذ لا مال له غيره، وهذا قول عيسى بن دينار من رأيه، وهو قريب من القول الأول، إذ لا فرق بينه وبينه إلا في تخيير الورثة هل يكون ابتداء أو بعد أن يمضي منه للمشتري بالثمن قدر ما لا محاباة فيه، ولا يئول ذلك إلى اختلاف في المعنى.

والقول الثالث: أن الورثة يخيرون ابتداء بين أن يجيزوا البيع وبين أن يردوه ويعطوا المشتري مِئَتَهُ التي كان دفع ويقطعوا له بثلث الميت في العبد المبيع وهو ثلثه إذ لا مال له سواه، وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون من كتاب الشفعة ورواية أصبغ عن ابن القاسم عن مالك في الواضحة.

وعلى هذا القول يأتي قول سحنون هذا في الذي باع في مرضه دارا تساوي ثلاثمائة بمائتين ولا مال له غيرها فأخذ المائتين واستنفقها في مرضه ثم مات؛ لأن الثلث إنما ينظر فيه بعد الموت، فلما مات وهو قد استنفق المائتين التي قبضها من المشتري لم يصح أن يمضي له المائة التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015