كان مرضا مخوفا فليس له أن يقضي بعضهم دون بعض، وإن كان مرضا ليس بمخوف حتى يحجب عن القضاء في ماله، فقضاؤه جائز.

قال الإمام القاضي: تفرقته في هذه الرواية بين أن يكون مرضه مرضا مخوفا أو غير مخوف - مفسر لقول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب المديان من المدونة، في أن المريض إذا كان الدين يغترق ماله لا يجوز له أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، خلاف قول غيره فيها: المريض لم تحجر عليه التجارة، وهو كالصحيح في تجارته وإقراره بالدين لمن لا يتهم عليه؛ لأن الظاهر منه أن قضاءه بعض غرمائه جائز، وهو قول سحنون، وأحد قولي مالك، وقع اختلاف قوله في ذلك في كتاب الإقرار من النوادر. فالاختلاف في جواز قضائه بعض غرمائه دون بعض - إنما هو إذا كان مرضه مرضا مخوفا يحجب فيه عن القضاء في ماله.

وأما إذا كان مرضه مرضا غير مخوف، لا يحجب فيه عن القضاء في ماله، فلا اختلاف في أن حاله في مرضه ذلك حال الصحيح، وقد اختلف قول مالك في المدونة في رهنه وقضائه.

فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أن رهنه وقضاءه جائز وإن كان مريضا؛ والثاني: أن رهنه وقضاءه لا يجوز وإن كان صحيحا؛ والثالث: الفرق في ذلك بين أن يكون مريضا أو صحيحا، وكذلك إقراره بالدين لمن يتهم عليه.

وأما إقراره بالدين لمن لا يتهم عليه، فلا اختلاف في جوازه، وإن كان مريضا، وإنما لا يجوز قضاؤه بعض غرمائه دون بعض، على القول بأن قضاءه لا يجوز، إذا كان ما بيده من المال لا يفي بما عليه، وأما إن كان ما بيده من المال يفي بما عليه من الديون، وإن كانت مستغرقة له، فقضاؤه جائز.

قال ذلك إسماعيل القاضي، وهو صحيح ينبغي أن يحمل على التفسير لما في المدونة ولهذه الرواية؛ لأنه إذا قضى بعض غرمائه وفيما بقي من ماله ما يفي بحقوق من بقي منهم، فلم يحاب من قضاه على ما لم يقضه، فمعنى قوله في المدونة إذا كان الدين يغترق ماله، أي إذا لم يكن له به وفاء. ومعنى قوله في هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015