المعنى في ذلك أن المطلوب أنكر المخالطة وزعم أنه لم يبايعه سوى هذه المبايعة التي فيها ذكر الحق وادعاها الطالب، فإذا لم يكن في البراءة الواحدة بانفرادها أو البراءات باجتماعها أكثر من ذكر الحق لم يكن للطالب دليل على ما ادعاه من المخالطة، وأنه قد عامله غير هذه المعاملة التي فيها ذكر الحق، فوجب أن يحلف المطلوب أنه لم يكن له عليه سوى ذكر الحق، وتكون البراءة أو البراءات براءة له منه.
وإن كان في البراءة الواحدة أو البراءات زيادة على ذكر الحق كان في ذلك للطالب دليل على ما ادعاه من المخالطة وأنه قد عامله فيما سوى هذا الذكر الحق، فوجب أن يحلف الطالب أنه قد عامله فيما سوى هذا الذكر الحق وأن البراءة أو البراءات التي استظهر بها المطلوب إنما هي من ذلك، فلا يكون شيء من ذلك براءة للمطلوب من الذكر الحق.
وقد مضى القول على هذه المسألة في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات ما فيه بيان لها وكشف عن معانيها، وبالله التوفيق.
ومن سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد: سألت ابن القاسم عن الرجل يسلف الرجل مالا فيشتري المسلف به متاعا ثم يفلس فيقوم المسلف مع الغرماء فيجد المتاع الذي اشتري بماله، فيقول: هذا المتاع أنا أولى به؛ لأنه ابتيع بمالي.
قال ابن القاسم: قال مالك: هو أسوة الغرماء.
قال الإمام القاضي: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه، إذ ليس المتاع ماله الذي أسلفه بعينه، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره» ، وبالله التوفيق.