سحنون: إذا تركها ثلاثا متواليا؛ للحديث الذي جاء، قال أصبغ: قال ابن القاسم في الذي يترك الجمعة، يرى أن ترد شهادته، إلا أن يعرف له عذر، ويساءل عن ذلك ويكشف، فإن علم له عذر من وجع أو أمر أو اختفاء من دين، أو ما أشبه ذلك؛ فأرى ألا ترد شهادته، وإن كان على غير ذلك رأيت أن ترد شهادته إلا أن يكون ممن لا يتهم على الدين ولا على الجمعة لبروزه في الصلاح وعلمه، فهو أعلم بنفسه، قال أصبغ: والمرة الواحدة في ذلك إذا تركها من غير عذر تهاونا بها ترد شهادته، ولا ينتظر به ثلاثا؛ لأن ترك هذه الفريضة ثلاثا وأقل وأكثر سواء، هي فريضة مفروضة مفترض إتيانها كفريضة الصلاة لوقتها، فلو ترك الصلاة لوقتها متعمدا مرة واحدة لم ينتظر به أن يفعل ثلاثا، وكان بمنزلة التارك أصلا للأبد؛ لأنه عاص لله في قليل فعله دون كثيره، ومتعد لحدوده، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] .
والذي قيل فيمن ترك الجمعة ثلاثا طبع الله على قلبه، إنما هو في الإثم والنفاق، وينتظر به الثالثة للتوبة، فإن فعل وإلا طبع الله على قلبه، وليس ذلك في الترك له هملا، ولا في الإبطال لشهادته، لا، بل يطرح ويوقف ويعاقب إن شاء الله، وقد بلغني عن بعض الأمراء ممن مضى من أئمة الدين، أنه كان يأمر إذا فرغ من الجمعة أن من وجد لم يشهد الجمعة ربط في عمود وعوقب، وأراه عمر بن عبد العزيز، قال أصبغ: لا، بل لا أشك فيه أنه عمر بن عبد العزيز، وقد قال تعالى: