الماشية، إذ ليس على رب الماشية أكثر مما صنع. وقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها ليس على عمومه في جميع ما أفسدت أو قتلت بالليل، وإنما المراد به الحوائط والزرع والحرث، كما قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. إما لأنه رأى الحديث مقصورا على سببه، وإما بدليل الإجماع أنها لو هدمت حائطا أو قتلت رجلا لم يضمن صاحبها شيئا؛ لأن الإجماع يخصص العموم، وما بقي من عموم هذا الحديث بعد التخصيص وهو ما أفسدت المتفلتة بالليل بالرعي من الحوائط والزرع والحرث مخصص من عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جرح العجماء جبار» . فهذا تحصيل القول على مذهب مالك في ترتيب هذين الأثرين. وأهل العراق لا يرون على أهل المواشي ضمان ما أصابت ماشيتهم المنفلتة بالليل والنهار في شيء من الأشياء، ويجعلون قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جرح العجماء جبار» ناسخا لقضائه أن ما أفسدت المواشي بالليل ضمان على أهلها. والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن النسخ إنما يكون بما يتعارض، ولا يمكن الجمع بينه بتخصيص بعضه ببعض وبيانه له. وقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن ما أفسدت المواشي ضامن على أهلها على ما قصه الله علينا في محكم كتابه من شرع داود وسليمان في قوله: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] لأن النفش بالليل والهمل بالنهار لأنهما حكما جميعا بالتضمين، فإنما خالف شرعنا شرعهما في صفة التضمين، كما اختلف اجتهادهما - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - في ذلك، فقضى داود بالغنم لصاحب الحرث، وقضى سليمان لصاحب الحرث بأن يأخذ الغنم فيستغلها حتى يستوفي من غلتها ما كان يخرج له ما أفسد من حرثه، فقضاء سليمان الذي أثنى الله تعالى عليه بقوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] مخالف لشرعنا بعيد منه، لا يحتمل أن يصرف بالتأويل إليه. وأما قضاء داود فيحتمل أن يكون ذلك موافقا لشرعنا، بأن