قد عول عليه الشيوخ المتقدمون من القرويين والأندلسيين، واعتقدوا أن من لم يحفظه ولا تفقه فيه كحفظه للمدونة وتفقهه فيها، بعد معرفة الأصول، وحفظه لسنن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فليس من الراسخين في العلم، ولا من المعدودين فيمن يشار إليه من أهل الفقه.
فلما سمعوا ذلك من قولي تنبهوا له وشرهوا إليه وحرصوا عليه، ورغبوا إلي فيه في غير ما موطن آحادا مفترقين، وجماعة مجتمعين، فتوقفت عن ذلك مدة مخافة العجز عن بلوغ الغرض والبغية فيه بتمامه، بقاطع يحول دون إكماله. ثم إن الله تعالى شرح صدري للشروع فيه، بعد أن خلصت النية في ذلك لله عز وجل رجاء الأجر على ذلك من الله عز وجل والمثوبة، ودعوت ضارعا في التوفيق والمعونة، ورجوت أن يجازي الله على النية في تمامه إن حال قاطع دون ذلك، فشرعت فيه وبدأت بكتاب الوضوء من أول الديوان مسألة مسألة على الولاء، أذكر المسألة على نصها، ثم أشرح من ألفاظها ما يفتقر إلى شرحه، وأبين من معانيها بالبسط لها ما يحتاج إلى بيانه وبسطه، وأحصل من أقاويل العلماء فيها ما يحتاج إلى تحصيله، إذ قد تتشعب كثير من المسائل وتفترق شعبها في مواضع، وتختلف الأجوبة في بعضها لافتراق معانيها، وفي بعضها باختلاف القول فيها، فأبين موضع الوفاق منها من موضع الخلاف، وأحصل الخلاف في الموضع الذي فيه منها الخلاف، وأذكر المعاني الموجبة لاختلاف الأجوبة فيما ليس باختلاف، وأوجه منها ما يحتاج إلى توجيه بالنظر الصحيح والرد إلى الأصول والقياس عليها، فإن تكررت المسألة في موضع آخر دون زيادة عليها ذكرتها في موضعها على نصها، وأحلت على التكلم عليها في الموضع الأول؛ وإن تكررت في موضع آخر بمعنى زائد يحتاج إلى بيانه والتكلم عليه كتبتها أيضا على نصها وتكلمت على المعنى الزائد فيها وأحلت في بقية القول فيها على الموضع الذي تكلمت عليها فيه من الرسم والسماع الذي وقع الكلام فيه عليها؛ ليكون كل من أشكل عليه معنى من المعاني في أي مسألة كانت من