من سماع عيسى بن دينار، من كتاب المكاتب وسألت ابن القاسم عن الرجل يجعل للرجل على حفر بئر، فيحفر فيها أذرعا، ثم يعجز عنها، ثم يحفرها آخر بعد ذلك حتى يخرج الماء، قال مالك: يكون للآخر جعله كله، ويكون للأول الجعل بقدر ما انتفع بحفره في البئر، ولقد كنت قلت أنا: يكون له قيمة ما عمل يوم عمل. وقال ابن كنانة: بل قيمة ما عمل اليوم، فدخلنا على مالك فقال: بل يعطى على قدر ما انتفع بحفره.
قلت: أرأيت جعلهما جميعا في الجعل الأول؟ قال: بل يعطى الآخر جميع ما جعل له، وينظر قيمة ما انتفع به من عمل الأول فيعطاه، ولا يلتفت إلى الجعل الأول. قلت: أرأيت إن كان الجعل الأول عشرة دنانير، فلما نظرنا إلى ما انتفع به من عمله كانت قيمته خمسة عشر دينارا؟ قال: فله ذلك، زاد الجعل الأول أو نقص، ولا يلتفت إلى الجعل الأول.
قال محمد بن رشد: معنى قول مالك ينظر إلى قيمة ما انتفع به من عمل الأول فيعطاه، هو أن ينظر إلى ما جعل على تمامها للثاني، وإلى ما كان يجعل على حفرها كلها لو لم يتقدم فيها حفر لأحد يؤخذ ذلك، فيكون للأول ما زاد على ما جعل على تمامها للثاني؛ لأن ذلك هو الذي انحط عنه بعمل الأول فانتفع به.
وكذلك إن استأجر على تمامها، ولم يجاعل على ذلك، فينظر إلى ما استأجر به على تمامها، وإلى ما كان يستأجر به على جميعها، فيكون للأول ما زاد الاستئجار على جميعها على الاستئجار على بقيتها؛ لأن ذلك هو الذي انتفع به، قل ذلك أو كثر، وإن كان أكثر