آخر؛ لأن حكم الجعل ألا يلزم المجعول له التمادي على العمل، وإن شرع فيه من أجل أنه غرر، ومن شروطه ألا يجوز فيما يكون للجاعل فيه منفعة قبل تمام العمل، فإن خرج بالثياب إلى ذلك البلد، ثم أراد ترك بيعها انتفع الجاعل بحمله إياها إلى ذلك البلد، وإن ردها لزمه في ردها مئونة وعلاج فيما لا منفعة له فيه، فكان الغرر والفساد حاصلا على أي وجه كان من الوجهين، فوجب ألا يجوز، وإنما لم يجز الجعل على بيع الثياب الكثيرة في البلد؛ لأنه إن بدا له في بيعها وردها إلى صاحبها كان قد انتفع بحفظه لها طول كونها في يديه، ليس من أجل أن الجعل لا يجوز في الكثير، وإن كان قد قال ذلك عبد الوهاب وغيره، فليس بصحيح، والصحيح أن الجعل يجوز في الكثير من الأعمال التي لا يكون للجاعل فيها منفعة إلا بتمام العمل، كطلب الإباق وحفر الآبار، ولذلك قال ابن المواز: إن المجاعلة على حفر الآبار لا تكون إلا فيما لا يملك من الأرضين، ولا يجوز في القليل منها التي يكون للجاعل فيها منفعة قبل تمام العمل، فهذا هو الأصل الذي يطرد ولا ينخرم، ألا ترى أنه لا تجوز المجاعلة على خياطة الثوب، ولا عمل اليوم، ولا على اقتضاء الدين اليسير بجزء منه إذا لم يكن له من كل ما يقتضيه بحسابه، من أجل أنه إذا لم يتم العمل انتفع الجاعل بما مضى منه، وبالله التوفيق.
مسألة وقال مالك: من استؤجر على رقيق يأتي بهم، فلم يجدهم فقد وجب حقه، وإن وجدهم ببعض الطريق، فللذي استأجره أن يبعثه إلى ذلك المكان أو يستأجره في مثله. قال مالك: وكذلك الرجل يتكارى الدابة إلى حاجة، فتأتيه الحاجة، فيلزمه