وهي تسمع أنه لا حنث عليه إذا لم تسمع، ومثله في سماع أبي زيد، ووجه ذلك: أنه لم يقبل بكلامه علية ولا أسمعه، فكأنه لم يكلمه، إذ لم يوجد منه معنى التكليم.
وقال عيسى بن دينار من رأيه في المدنية: إنه إن أراد أن يسمعه فهو حانث، سمعه أو لم يسمعه، وهو الأظهر؛ لأنه قد كلمه إذا أراد إسماعه لكلامه، وإن لم يقبل عليه بكلامه ولا سمعه، فوجب أن يحنث إلا أن يكون نوى في يمينه ألا يكلمه، يريد بكلام يقبل عليه به ويسمعه منه، كما أن من حلف ألا يكلم رجلا فكلمه من حيث يمكن أن يسمع كلامه فلم يسمعه أنه حانث إلا أن يكون نوى ألا يكلمه بكلام يسمعه منه، وسيأتي هذا المعنى في رسم سلف من سماع عيسى.
وأما إذا كلم غيره وهو لا يريد إسماعه فلا حنث عليه سمعه أو لم يسمعه قولا واحدا، وأما إذا كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا فقرأ كتابه أو سمع رسالته، فقيل: إنه لا حنث عليه في الوجهين جميعا إذ لم يكلمه، وهو مذهب أشهب وابن شهاب وابن عبد الحكم؛ لأن التكليم إنما هو أن يعبر له عما في نفسه بلسانه عبارة يفهمها المكلم إذا أصغى إلى كلامه. وقيل: إنه حانث في الوجهين جميعا؛ لأنه وإن لم يكلمه فقد وجد منه معنى الكلام وهو التفهيم، والأحكام إنما هي للمعاني لا للأسماء، فوجب أن يحنث إلا أن تكون له نية أنه أراد المشافهة فيهما فيكون له نيته.
وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وظاهر قول ابن القاسم في رسم إن خرجت من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وقد روى عن مالك: أنه لا يُنَوَّى فيهما جميعا، وتلا قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} [الشورى: 51] . وهو بعيد؛ لأن الصحيح في هذا الاستثناء إنما استثناء منفصل مقدر بـ "لكن".
وله في المدونة قول ثالث: أنه لا ينوى في الكتاب وينوى في الرسول، ومعناه: مع قيام البينة عليه؛ إذ لا اختلاف في أن من أتى مستفتيا تقبل منه نيته ويصدق فيها دون يمين وإن بعدت. وقيل: إنه يحنث بالكتاب إلا أن تكون له نية في