مسألة وسئل مالك: عمن قال: امرأتي طالق البتة إن كان أكل عندي فلان وفلان، واستثنى سرا إلا تمرا.
فقال مالك: إني أخاف ألا يكون لسانك تكلم بذلك، إنما هو شيء وجدته في نفسك، فقال: بلى، قد تكلمت به كلاما في نفسي، فقال له: إنه أنطق لسانك، قال: نعم، ولكن قد كان شربا عندي مذقا، فقال له مالك: كم طلقتها؟ فقال: لم أقل شيئا، إنما قلت هي طالق، قال: أكنت طلقتها قبل اليوم شيئا؟ قال: نعم واحدة، فقال له: قد طلقتها واحدة وهذه اليمين ثانية، فقد طلقتها اثنين ولك عليها الرجعة، فتكون عندك على واحدة، ثم قال له: منذ كم حلفت؟ قال: منذ ستة أشهر، قال: قد حلت فاخطبها مع الخطاب ثم أنكحها نكاحا جديدا بعد أن تستبرئها بالعدة من مائك الذي مسستها فيه وهي مطلقة؛ لأنك لم تكن ارتجعت حتى حلت، قال: من ينكحنيها؟ قال: أبوك إن شئت بشهود وبينة وصداق جديد ثوب أو غير ذلك؛ لأنك قد أنكحتها مرة فينكحكها أبوك، وليس في ذلك بأس.
قال محمد بن رشد: المذق هو اللبن المضروب بالماء، فإنما أوجب عليه الحنث لشربهما إياه عنده إذا حلف أنهما ما أكلا عنده شيئا ولم يستثن إلا التمر؛ لأن يمينه ما أكلا عنده شيئا معناه ما طعما عنده طعاما، واللبن طعام، يجب به الحنث عليه إذا كانا قد شرباه، كما يجب به عليه لو أكلاه؛ لأن المعنى في الأكل والشرب سواء، إذ يجمعه اسم الطعم، إلا أن تكون له نية في أحدهما دون الآخر، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] ،