وقع في هذه الروايات كلها، وبيان ذلك أن مال الابن لا يخلو من أربعة أحوال: أحدها أن يكون عينا قائما في يد الأب، والثاني: أن يكون عرضا قائما في يده، والثالث: أن يكون قد استهلكه، وحصل في ذمته، والرابع: أن يكون لم يصل بعد إلى يده، فأما إن كان عينا قائما في يده، وألفي على حاله في تركته، فلا يخلو من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كتبها عليه لم تؤخذ من ماله، إلا أن يوصي بذلك، وهو دليل قوله في هذه الرواية إذ لم يقل ذلك عند موته، وإن كان لم يكتبها عليه لم تؤخذ من ماله، وإن كان أوصى بذلك. قاله ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا.

وأما إن كان المال عرضا بيده بعينه، ألفي في تركته، فلا يخلو أيضا من أن يكون كتب النفقة عليه أو لم يكتبها، فإن كان كتبها حوسب بها الابن، وإن أوصى الأب ألا يحاسب بها، وهو ظاهر ما في هذه الرواية، ووجه ذلك أنه لما كتبها عليه دل على أنه لم يرد أن يتطوع بها، فوصيته ألا يحاسب بها وصية لوارث، وهو قول أصبغ في الواضحة: إن المال إذا كان عرضا لم تجز وصية الأب ألا يحاسب بها، ومثله لابن القاسم في المدنية.

وإن كان لم يكتبها عليه حوسب بها، إلا أن يكون أوصى الأب ألا يحاسب بها فتنفذ وصيته. وهذا قول ابن القاسم في رسم باع شاة من سماع عيسى.

وأما الحالة الثالثة وهي أن يكون الأب قد استهلك المال وحصل في ذمته، فإن الابن يحاسب في ذلك، كتب الأب عليه النفقة أو لم يكتبها، وهو قول مالك في رسم الشجرة بعد هذا، إلا أن يكون كتب لابنه بذلك ذكر حق، أشهد له به، فلا يحاسب بما أنفق عليه. قال ذلك مالك في رواية زياد بن جعفر عنه. وهو تفسير لما في الكتاب.

وأما الحال الرابعة وهو ألا يكون قبض المال، ولا صار بيده بعد، فسواء كان عينا أو عرضا، هو بمنزلة إذا كان عرضا بيده. وقد مضى الحكم في ذلك. وما في رسم سلعة سماها، ورسم كتب عليه ذكر حق محتمل أن يكون تكلم فيهما على أن المال لم يصل إلى يده، أو على أنه قد أخذه واستهلكه.

وقد مضى الكلام على حكم الوجهين، ولا فرق بين موت الأب وموت الابن فيما يجب من محاسبته بما أنفق عليه أبوه، وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015