وأما بقايا [أهل] الجاهلية فلا، وأرى أن يؤخذ بقولهم، وفي بعضها: ولا يكون ذلك في ولادة الجاهلية. فأشكلت على القارئ المسألة، كما أشكلت على من سواه، وحق لها أن تشكل عليهم؛ لما ذكرناه من اختلاف الألفاظ فيها مع تقديم وتأخير وقع في سياقتها. وسألني أن أبينها عليه ففعلت وكان مما بينت عليه من أمرها أن الاختلاف الذي وقع فيها في الكتب يرجع إلى روايتين مستقيمتين، ففي الرواية الواحدة بثبت الواو في " وأرى " وثبت " إلا " في قوله: ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية [وفي الرواية الأخرى بسقط الواو من وأرى، وسقط إلا من قوله: ولا يكون ذلك إلا في ولادة الجاهلية] . وبسطت له القول في ذلك وبينت عليه وجه كل رواية منهما وما يستقيم به معناهما، فسر بذلك هو ومن حضر المجلس، وقالوا: والله لقد ظهرت المسألة وارتفع الإشكال منها، وكم من مسألة عويصة في العتبية لا يفهم معناها وتحمل على غير وجهها، فلو استخرجت المسائل المشكلات منها وشرحتها وبينتها لأبقيت بذلك أثرا جميلا يبقى عليك ذكره، ويعود عليك ما بقيت الدنيا أجره. فقلت لهم: وأي المسائل هي المسائل المشكلات منها المفتقرة إلى الشرح والبيان، من الجليات غير المشكلات التي لا تفتقر إلى كلام ولا تحتاج إلى شرح وبيان؟! فقل مسألة منها وإن كانت جلية في ظاهرها، إلا وهي مفتقرة إلى التكلم على ما يخفى من باطنها.
ابدأ من أول مسألة من كتاب الوضوء: سمعت مالكا قال: لا أرى لأحد أن يتوضأ بفضل وضوء النصراني، فأما بسؤره من الشراب فلا أرى بذلك بأسا. قال ابن القاسم: وقد كرهه غير مرة، وقال سحنون: إذا أمنت أن يشرب خمرا أو يأكل خنزيرا فلا بأس أن يتوضأ به، كان لضرورة أو لغير