قال محمد بن رشد: قوله: من عبرة إنكاح البكر ولا تستأمر، يريد: من عبرة إنكاح الأب ابنته دون استئمار؛ لأن غير الأب لا يزوج البكر حتى يستأمرها لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها» واحتجاج مالك لمذهبه في هذه المسألة بهذه الآية يدل على أن شريعة من قبلنا لازمة لنا عنده، إذا لم يكن في شرعنا ما ينسخها عنا، ويدل على ذلك من مذهبه أيضا احتجاجه في موطئه بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وإنما هو خطاب لليهود في شرعهم، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] .

وقال النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا نام أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها، فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] » والخطاب بذلك إنما هو لموسى في التوراة.

ومن أهل العلم من ذهب إلى أنها غير لازمة لنا بدليل قول الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] ومنهم من ذهب إلى أنه لا يلزمنا منها إلا شريعة إبراهيم خاصة؛ لقوله عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123] وقوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] أي الزموها، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يلزمنا منها إلا شريعة عيسى لأنها ناسخة لما تقدم من الشرائع، ومنهم من ذهب إلى أنه يلزمنا من شريعة موسى ما لم يكن في شريعة عيسى ما ينسخه، ومما يعتبر به في جواز إنكاح الأب ابنته البكر دون مؤامرتها مما توجه الخطاب فيه إلينا دون من قبلنا، قول الله عز وجل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015