هذه المسألة؛ لأن حج أبي بكر في ذي القعدة لم يكن خطأ وإنما كان شرعا ودينا بأمر النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، والنسيء قائم قبل أن ينسخ، فأجزأهم حجهم فرضا كان أو نفلا. وكيف لا يجزيهم وقد سماه الله في كتابه الحج الأكبر، ولئن كانت تلك الحجة لأبي بكر وعلي بن أبي طالب وغيره ممن أعلمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه سيحج معه من العام المقبل نفلا، فقد كانت لمن سواهم من الناس الذين حجوا في ذلك العام ولم يدركوا الحج مع النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فرضا؛ لأنها إنما كانت بعد نزول فرض الحج. هذا مما لا اختلاف فيه أعلمه، ثم حج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العام المقبل في ذي الحجة على ما كان الناس عليه من النسيء فنسخ الله النسيء حينئذ. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألا إن الزمان قد استدار» ... الحديث، فثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة. والذي عليه أكثر أهل العلم أن أهل الموسم إذا أخطئوا فقدموا الوقوف قبل يوم عرفة لم يجزهم حجهم، وإن أخطئوا فوخروه، إلى يوم النحر أجزأهم حجهم، وهو قول مالك والليث والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وعثمان الليثي وجماعة سواهم.

والفرق بين الوجهين أن الذين أخطئوا فوقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم الله به على لسان رسوله من إكمال شهر ذي القعدة ثلاثين يوما إذا أغمي عليهم هلال ذي الحجة، فلما فعلوا ما أمروا به من ذلك كان حجهم في الوقت الذي أمرهم الله على لسان نبيه أن يحجوا فيه ووقوفهم في اليوم الذي تعبدهم الله أن يقفوا فيه، وإن انكشف لهم ذلك بعد أن كان يوم النحر لم يضرهم إذ قد مضى فعلهم صحيحا بموجب النص دون اجتهاد، وكتب لهم حجهم وسلم لهم أجرهم وسقط عنهم فرضهم، فليس ما ظهر لهم بعد ذلك قرب أو بعد بالذي يمحو ما كتب لهم من الحج ويبطل ما ثبت لهم من الأجر، ويوجب ما سقط عنهم من الفرض، وأن الذين أخطئوا فوقفوا يوم التروية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015