قال محمد بن رشد: وجه فتوى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المرأة أن تهريق الخل ولا تأكله، هو أن التمر الذي عملته منه كان من مال الله، فكان الحق فيه أن يقسمه الإمام بالاجتهاد، فلما لم تكن هي ممن لها الاجتهاد في ذلك، لم يأمرها بالتصدق به، ورأى لها الخلاص أن تهريقه ولا تأكله؛ لأن تصدقها به من غير أن يكون لها الاجتهاد في ذلك من جنس النهبة التي وقعت فيه أولا، والله أعلم، ويحتمل أن يكون ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أفتاها بإراقته، وترك أكله عقوبة لها على ما فعلت من عملها إياه من التمر المنهوب، ولم يأمرها بالصدقة؛ لئلا يظن ظان أنه تتصدق به على مِلْكها، فتكون مأجورة في فعلها، فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك الفعل، وهذا من نحو ما قيل في من فعل ما لا يجوز له من تخليل الخمر، أنها لا تؤكل وتهرق ولا يتصدق بها.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن «أمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإكفاء القدور يوم خيبر من لحوم الحمر الأهلية» إنما كان من أجل أنها كانت منتهبة، وأما ما ينثر على الصبيان عند خروج أسنانهم، وفي العرائس، فيكون فيه النهبة، فكرهه مالك بكل حال؛ لظواهر الآثار الواردة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك، من ذلك نهيه عن النهبة، وأنه قال: «النهبة لا تحل» ، وأنه قال: «من انتهب فليس منا» ، وفي ذلك تفصيل، أما ما ينثر عليهم ليأكلوه على وجه ما يؤكل دون أن ينتهب، فانتهابه حرام لا يحل ولا يجوز؛ لأن مُخرِجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يؤكل، فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل منه مع أصحابه على وجه الأكل، فقد أكل حراما، وأكل سحتا لا مرية فيه، ودخل تحت الوعيد، وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فهذا كرهه مالك، وأجازه غيره، وتأول أن نهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن الانتهاب إنما معناه انتهابا ما لم يُؤذن في انتهابه، بدليل ما روي عن عبد الله بن قرط، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحب الأيام إلى الله يوم