الجاهلية والإسلام مخضرم، وقولهم لكتاب الله قرانا، وتسميتهم للتمسح بالتراب التيمم، وتسميتهم للقاذف بفاسق. إن ذلك لم يكن في الجاهلية.
وإذا كان للنابغة أن يبتدئ الأسماء على الاشتقاق من أصل اللغة كقوله «والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد» وحتى اجتمعت العرب على تصويبه وعلى اتباع أثره، وعلى أنها لغة عربية، فالله الذي هو أصل اللغة أحق بذلك» «1» .
ويبدو أن الجاحظ استند في مذهبه إلى القرآن والسماع ونظريته القائلة أن المعرفة تحدث طباعا. وقد اقتفى أثره ابن فارس في كتابه «الصاحبي في فقه اللغة» ولكن خالفه ابن جني الذي قال إن اللغة اصطلاح، والسيوطي الذي قال إنها تقليد.
ولكن أبا عثمان لم يستطع أن ينكر ما طرأ على اللغة العربية من تطور.
فقد دخلت عليها ألفاظ أعجمية بسبب اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب.
فأهل المدينة لما نزل فيهم ناس من الفرس، علقوا بألفاظ فارسية فسموا البطيخ الخربز، والسميط الرزدق، والمصوص المزوز. وكذلك أهل الكوفة تأثروا بلغة الفرس الذين احتكوا بهم فسموا المسحاة البال وسموا الحوك الباذروج، وسموا القثاء خيارا الخ ... «2» .
وهناك ألفاظ جديدة أوجدها المتكلمون وعلماء اللغة في العصر العباسي عن طريق الاشتقاق أو النحت أو الاصطلاح للتعبير عن المعاني الفلسفية والعلمية الجديدة مثل الجوهر والعرض والهوية والهذية الخ. يقول الجاحظ موضحا هذه الناحية: « ... وهم المتكلمون تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم، فصاروا في ذلك سلفا لكل خلف، وقدوة لكل تابع. ولذلك قالوا العرض والجوهر وأيس وليس، وفرقوا بين البطلان والتلاشي، وذكروا الهذية والهوية والماهية وأشباه ذلك. وكما وضع