قال رحمه الله: ومجرد الإتيان بلفظ الشهادة من غير علم بمعناها ولا عمل بمقتضاها لا يكون به المكلف مسلماً، بل هو حجة على ابن آدم، خلافاً لمن زعم أن الإيمان مجرد الإقرار "كالكرامية"، ومجرد التصديق "كالجهمية". وقد أكذب الله المنافقين فيما أتوا به وزعموه من الشهادة، وسجل على كذبهم، مع أنهم أتوا بألفاظ مؤكدة بأنواع من التأكيدات. قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون، الآية: 1] فأكدوا بلفظ الشهادة و"إن" المؤكدة واللام والجملة الاسمية، فأكذبهم وأكد تكذبيهم بمثل ما أكدوا به شهادتهم سواء بسواء، وزاد التصريح باللقب الشنيع والعلم البشيع الفظيع، وبهذا تعلم أن مسمى الإيمان لا بد فيه من الصدق والعمل. ومن شهد أن لا إله إلا الله وعبد غيره، فلا شهادة له، وإن صلى وزكى وصام وأتى بشيء من أعمال الإسلام. قال تعالى لمن آمن ببعض الكتاب ورد بعضاً: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة، الآية: 85] الآية. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [النساء، الآية: 150] الآية. وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون، الآية: 117] الآية. والكفر نوعان: مطلق ومقيد. فالمطلق: أن يكفر بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمقيد: أن يكفر ببعض ما جاء به الرسول، حتى إن بعض العلماء كفر من أنكر فرعاً مجمعاً عليه، كتوريث الجد والأخت، وإن صلى وصام، فكيف بمن يدعو الصالحين ويصرف لهم خالص العبادة ولبها؟ وهذا مذكور في المختصرات من كتب المذاهب الأربعة، بل كفروا ببعض الألفاظ التي تجري على ألسن بعض الجهال، وإن صلى وصام من جرت على لسانه.

قال رحمه الله: والصحابة رضي الله عنهم كفروا من منع الزكاة وقاتلوهم، مع إقرارهم بالشهادتين والإتيان بالصلاة والصوم والحج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015