الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّت عليه شفاعتي يوم القيامة" وقوله: "من قال حين سمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة والقائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت عليه الشفاعة" فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة وأخبرنا أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله، وهو يرجوا أن يكون ذلك العبد وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرنا أن من سأل له الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة لأن الجزاء من جنس العمل. فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم فإن الشفاعة نوع من الدعاء، كما قال: "إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً".
وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة رضي الله عنهم: فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته، والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به، والسؤال به، كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يٌعتقد فيه الصلاح. وحينئذ فلفظ: "التوسل" يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين. ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنّة، فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء: فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته.
والثاني: دعاؤه وشفاعته، كما تقدم. فهذان جائزان بإجماع المسلمين. ومن هذه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" أي بدعائه وشفاعته. وقوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة، الآية:35] أي القربة إليه بطاعته، وطاعة رسوله. قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء، الآية:80] فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين.