وداع إليها. فما وجدت لها أثراً عن أحد من علماء أهل السنّة قبل الشيخ أحمد بن تيمية، فتعقبت ما عرفت من مؤلفاته، لأقف على نص صريح له فوجدته ذكر هذه المسألة في موضعين من كتابه "الجواب الصحيح" الأول في صحيفة (121) من الجزء الأول، والثاني في صحيفة (55) من الجزء الثاني. نقل في الأول حديث: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وحديث: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك" وحديث: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". ثم قال: إلى أمثال ذلك مما فيه تجريد التوحيد لله رب العالمين، صم استطرد في تشبيه ما جاء في هذه الأحاديث بعبادة الشمس والقمر والأوثان والصور والسجود لها والاستشفاع بها وبأصحابها- إلى أن قال-: وإن كان يذكر عن بعض الأنبياء تصوير صورة لمصلحة فإن هذه من الأمور التي قد تنوعت فيها الشرائع بخلاف السدود لها، والاستشفاع بأصحابها. فإن هذا لم يشرعه نبي من الأنبياء ولا أمر أحد قط من الأنبياء أن يدعي غير الله عز وجل، لا عند قبره ولا في مغبيه، ولا يتشفع به في مغيبه بعد موته، بخلاف الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ويوم القيامة وبالتوسل به بدعائه والإيمان به، فهذا من شرع الأنبياء عليهم السلام، وانتهى. فانظر ما في هذا الكلام من التلاعب والتقلب، والقياس الفاسد، والتهور الذي أدخله في زمرة محرفي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواضعه، فالأحاديث التي استدل بها وحرفها صريحة في النهي عن الجلوس على القبور، كما يفعله أهل زماننا نساء ورجالاً والصلاة إليها، كما يفعله الوثنيون. ليس فيها نهي عن الزيارة، ولا تشبيه من يزور قبر نبي أو غيره بعابد الشمس والقمر وغيرهما. وسيأتي حيث النهي عن الزيارة ثم إباحتها، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يزور أهل البيقع، ويستغفر لهم. ونعوذ بالله من الغلو المؤدي إلى خرق إجماع الأمة من عهد الرسول إلى اليوم، وتشبيه كافة المسلمين بعبادة الشمس والقمر والأوثان. ولا يغرنك ما رأيته من استثناء الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه حصر الاستثناء في حياته ويوم القيامة ومن هذا الحصر تفهم