ما مات رسول الله، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً. والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً. ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رِسْلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر رضي الله عنهما، فحمد الله وأنثى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر، الآية:30] ، وقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران، الآية:144] قال: فنشج الناس يبكون" رواه البخاري. ثم قال: "فرجع عمر رضي الله عنه عن مقالته التي قالها" كما ذكره الوائلي أبو نصر عبد الله في كتاب "الإبانة" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين بويع أبو بكر رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم استوى على منبره وتشهد عمر رضي الله عنه ثم قال: "أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب الله تعالى، ولا عهد إليَّ رسول الله، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا- أي يكون آخرنا موتاً أو كما قال- فاختار الله ع وجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم. وهذا الكتاب الذي هدى الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم. فخذوا به تهتدوا لما هدى له رسوله صلى الله عليه وسلم". قال: واختلف في معنى قول أبي بكر رضي الله عنه: "لا يجمع الله عليك الموتتين" فقيل: هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم- هو عمر- أنه: "سيجئ فيقطع أيدي رجال" كما في البخاري في المناقب. قالت عائشة رضي الله عنها: وقال عمر: "وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم" لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى ثانية. إذ لا بد من الموت قبل يوم القيامة. فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين، كما جمعهما على غيره. كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف- أربعة، أو ثمانية، أو عشرة، أو ثلاثون، أو أربعون ألفاً- حذر الموت وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون