من أنواع العلوم والصنائع والدول وغيرها. فإنه يبتدئ قليلاً قليلاً ولا يزال ينمو ويزيد إلى أن يصل إلى غاية هي منتهاه، ثم لا يعود. وكأن غاية هذا العلم: انتهت إلى البخاري ومسلم ومن كان في عصرهما. ثم نزل وتقاصر إلى ما شاء الله تعالى حتى لا يوجد اليوم ممن يعلم الحديث، واحد في الجمع الجم من الناس. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس كالإبل المائة، لا تكاد توجد فيها راحلة، وإنما هم كحفالة الشعير" (?) فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الفصل الثالث: في اختلاف الأغراض من تصانيف علم الحديث. اعلم أن هذا العلم، على شرفه وعلو منزلته: كان علماً غزيراً، مشكل اللفظ والمعنى. ولذلك كان الناس في تصانيفهم مختلفي الأغراض، فمنهم من قصر همته على تدوين الحديث مطلقاً ليحفظ لفظه، ويستنبط منه الحكم. كما فعله عبد الله بن موسى الضبي، وأبوا داود الطيالسي وغيرهما أولاً. وثانياً أحمد بن حنبل ومن بعده. فإنهم أثبتوا الأحاديث من مسانيد ذواتها. فيذكرون مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويثبتون فيه كل ما رووه عنه. ثم يذكرون بعده الصحابة واحداً بعد واحد على هذا المنسق، قال القسطلاني: فمنهم من رتب عل المسانيد، كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وأبي خيثمة، والحسن بن سفيان، وأبي بكر البزار، وغيرهم. انتهى.
ومنهم من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها، فيضعون لكل حديث باباً يختص به فإن كان في معنى الصلاة: ذكروه في باب الصلاة وإن كان في معنى الزكاة ذكروه فيها. كما فعل مالك في الموطأ، إلا أنه لقلة ما فيه من الأحاديث: قلت أبوابه، ثم اقتدى به من بعده. فلما انتهى الأمر إلى زمن البخاري ومسلم كثرت الأحاديث المودعة في كتابيهما، واقتدى بهما من جاء بعدهما. وهذا النوع أسهل من الأول، لأن الإنسان قد يعرف المعنى وإن لم يعرف راويه، بل ربما لا يحتاج إلى معرفة راويه. فإذا أراد حديثاً يتعلق بالصلاة