وكلانا نجم يهتدى به، فلا علينا شيء من اختلافنا.
قال أبو عمر: والصواب مما اختلف فيه وتدافع: وجه واحد. ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضاً في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم. والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صواباً. وقد أحسن القائل:
إثبات ضدين معاً في حال ... أقبح ما يأتي من المحال
ومن تدبر رجوع عمر إلى قول معاذ رضي الله عنهما في المرأة الحامل، وقوله" لولا معاذ هلك عمر" علم صحة ما قلنا. وكذلك رجع عثمان في مثلها إلى قول علي رضي الله عنهما-وأطال في ذلك إلى أن قال- وروى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه قال: "لو كانت الأهواء كلها واحد لقال القائل: لعل الحق فيه. فلما تشعبت وتفرقت عرف كل ذي عقل أن الحق لا نفرق" وعن مجاهد: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود، الآية: 118] قال: أهل الباطل: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود، الآية: 119] قال: أهل الحق، ليس بينهم اختلاف. وقال أشهب: سمعت مالكاً يقول: ما الحق إلا واحد قولان مختلفان لا يكونان صواباً جميعاً. ما الحق والصواب إلا واحد. قال أشهب: وبه يقول الليث.
قال أبو عمر: الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة: إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله. قال المازني رحمه الله تعالى: يقال لمن جوز الاختلاف، وزعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة فقال أحدهما: حلال، والآخر حرام. فقد أدى كل واحد منهما جهده وما كلف. وهو في اجتهاده مصيب الحق: أبأصل قلت هذا، أم بقياس؟ وإن قال: بأصل، قيل له: كيف يكون أصلاً والكتاب أصل ينفي الخلاف؟ وإن قال: بقياس. قيل له: كيف تكون أصلاً والكتاب أصل ينفي الخلاف؟ وإن قال: بقياس. قيل له: كيف تكون الأصول تنفي الخلاف. ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟ هذا ما لا يجوزه عاقل، فضلاً عن عالم. ويقال له: أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى واحد أحله أحدهما وحرمه الآخر؟