...
وأما قوله: "ولا خلاف بين المسلمين أن اختلاف الأئمة في الفروع هو عين الرحمة".
فنقول: إن الاختلاف في الدين – من حيث هو – عذاب لا رحمة، إلا ما كان لإظهار الحق والرجوع إليه مع من كان، لا ما هو واقع بين كثير من الناس من التحزب والتعصب للمذاهب. وقد قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود، الآيتان: 118 – 119] ، وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران، الآية: 105] وقال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام، الآية: 153] وقال تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم، الآيتان: 31 -32] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم والتابعين لهم في ذم الاختلاف في الدين والنهي عنه ما لا يحصر.
قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره على قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود، الآيتان: 118 – 119] معناه: لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق فهم لا يختلفون – إلى أن قال – وقال الفراء: خلف أهل الرحمة للرحمة، وأهل الاختلاف للاختلاف. ومحصول الآية: أن أهل الباطل مختلفون، وأهل الحق متفقون، فخلق الله أهل الحق للاتفاق، وأهل الباطل للاختلاف. انتهى.
وفي كتاب "الإبانة" عن شريعة الفرقة الناجية لأبي عبد الله بن بطة قال: حدثنا أبو حفص عمر الحافظ قال: حدثنا أبو حاتم الرازي قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن ابن