{اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة، الآية:3] ، ويقول: {مافَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام، الآية:38] ، ويقول تعالى: {َلقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران، الآية:164] ، ويقول تعالى: {ُوَهوالَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة، الآية:2] إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى كثير. و"الحكمة" كما قال الشافعي رضي الله عنه وغيره من الأئمة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد أخبر الله عباده: بأنه بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، وأنزل عليه كتاباً قد أكمل لهم به الدين، وأتم عليهم به النعمة، ووكل بيان وتفصيل ما أنزله في كتابه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ففرض عليهم طاعته، واتباع أمره، وأخبرهم بأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فأين زاغ المعترض عن هذا البيان المبين، والتفصيل الفاصل عن الشك باليقين؟ فقد أعماه الهوى عن الهدى، فلم يهتد إليه وناداه منادي الكتاب العزيز: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام، الآية:38] فلم يلتفت إليه، هائماً في ضلالته متوغلاً في بيداء جهالته، لا يعرف الأصول من الفروع، ولا يفرق بين أدلة الأحكام من أصول الأحكام. وهكذا تنقض عرى الإسلام عروة عروة بمثل هؤلاء الجهلة الحمقى، لا أكثر الله منهم بين المسلمين.
قال المعترض: "واعلم أن الاختلاف في الفروع والقياس ليس من محدثات الأئمة الأربعة، بل هو واقع من زمن الصحابة. وكان يقع بينهم ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فيراجعونه فيما يختلفون فيه وبعد وفاته يرجعون فيه إلى العلماء منهم، وهكذا حال التابعين. وهذه حقائق مستفاضة مذكورة في مواضعها، من كتب الحديث والتفسير والأصول ومطولات الفقه المعتمد عليها عند أهل الدين، وحوادثها وأمثلتها أكثر من أن تجمع، ولا يجهلها إلا العامي الأحمق، فمن هداه الله في دينه، وأرشده لما ينجيه يوفقه لتتبع كتب علماء الدين فيرى الحق ظاهراً كالشمس، وأما من أضله الله وأشقاه فينصب على مطالعة كتب أهل البدع والمقولات، ويتلقى أضاليلهم، كحقائق ثابتة، فيعيش