الأحكام من القرآن والحديث. فدل على ما ذكرناه. فلما دلت الآية على أن إجماع أولي الأمر حجة علمنا دلالة الآية على أنه ينعقد الإجماع بمجرد قول هذه الطائفة من العلماء. وأما دلالة الآية على أن العامي غير داخل فيه فظاهر، لأنه من الظاهر أنهم ليسوا من أولي الأمر.
الفرع الثاني: اختلفوا في أن الإجماع الحاصل عقيب الخلاف: هل هو حجة؟ والأصح: أنه حجة، والدليل عليه هذه الآية: وذلك لأنا بينا أن قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء، الآية: 59] يقتضي وجوب طاعة جملة أهل الحل والعقد من الأمة وهذا يدخل فيه ما حصل بعد الخلاف ما لم يكن كذلك، فوجب أن يكون الكل حجة. انتهى.
فقد تبين بما سقناه من كلام الفخر الرازي في تفسيره بالحرف الواحد: تحريف المعترض وتصرفه فيه بالزيادة والنقصان، الذي مسخ به كلام الرازي. فقد أسقط الفرع الأول الذي بناه الرازي على الأصل الذي دلت عليه الآية من حجية الإجماع، ثم بين بهذا الفرع ما يكون حجة في صحة انعقاد الإجماع من مدلول الآية الشريفة، وأنه لا ينعقد إلا بقول العلماء المجتهدين الذين يمكنهم استنباط أحكام الله من نصوص الكتاب والسنة وأنهم المسمون بقوله تعالى: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء، الآية:59] وأنه لا عبرة بغيرهم، وإن كانوا مفسرين او محدثين لكونهم لا قدرة لهم على استنباط أحكام الله تعالى من النصوص. فإسقاطه لهذا الفرع من اكبر الخيانة لأئمة الدين وعلماء الأمة الذين يقتدي بهم. ثم إن الفرع الثاني فرع عن الأول وقد حرفه المعترض وبدل لفظه ومعناه. فإن الفخر الرازي لم يقل كما زعمه المعترض إن الإجماع الحاصل عقيب الخلاف الواقع بين الأئمة يبقى حجة، ولا تأثير للخلاف فيه فكلام الرازي- كما تراه منقولاً بالحرف الواحد –لا يتفق مع ما نسبه المعترض إليه. فأي خيانة بعد هذا؟ خصوصاً وهي في أشرف العلوم، وأصل الأصول. وهو تفسير كتاب الله العزيز. وهل زاد اليهود على هذا التحريف والتبدل؟ الجواب: لا، بل هذا اقتفاء أثرهم حذو القذة بالقذة. وهذا لا يعد من الجهل والخطأ، بل هو من سوء القصد