تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء، الآية: 36] وقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة، الآية: 169] ، وقوله: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [النساء، الآية: 171] ومع ما ورد به القرآن من الاستدلال على مدلولات والتنبيه على تصحيح وإفساد مقالات. وذلك في القرآن كثير، يطول استيفاؤه ومن الظاهر في ذلك المشهور ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الاحتجاج والاستدلال في مسائل الأحكام، ومناظرة بعضهم لبعض، وذلك أشهر وأظهر من تكلف الإطالة بتقصيه، فبان بما أوردناه صحة النظر والاستدلال وثبوته طريقاً للعلم بالمنظور فيه.
فإن قيل: أخبرونا عن مريد التفقه ما الذي يلزمه؟ قلنا: لا يسوغ لمن فيه فضل للنظر والاجتهاد وقوة على الاستدلال والاعتبار أن يعتقد التفقه إلا من طريق الاستدلال الصحيح، العاري عن آفات النظر المانعة له من استعماله على وجهه وترتيبه في حقه.
فإن قيل: فهذا خلاف ما أنتم عليه من دعائكم إلى درس مذهب مالك بن أنس، واعتقاده، والتدين بصحته، وفساد ما خالفه؟ قلنا: هذا ظن منك بعيد، وإغفال شديد، لأنا لا ندعو من ندعوه إلى ذلك إلا إلى أمر قد عرفنا صحته، وعلمنا صوابه بالطريق التي قد بيناها، فلم نخالف بدعائنا إليه ما قررناه، وعقدنا الباب عليه.
هذا كلام القاضي عبد الوهاب وهو نظير قول من قال من أصحابنا: ما قلدنا الشافعي ولكن طابق اجتهادنا اجتهاده.
وقال القاضي عبد الوهاب أيضاً في كتابه "الملخص" في أصول الفقه.
فصل في فساد التقليد: التقليد لا يثمر علماً، فالقول به ساقط، وهذا الذي قلنا: هو قول كافة أهل العلم. وذهب قوم من ضعفة من ينتمي للعلم، وممن يفرغ على نفسه من استيفاء النظر على وجهه حتى أن يكشف له به فساد مذهب، قد تمت له معه وئاسة، أو حصل له نشوة أو عادة، أو عصبية إلى صحة