الأمر والحث على اتباع الكتاب والسنة والتحذير عن آراء الرجال، وزلات العلماء، وأطال في ذلك – إلى أن قال – وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه في كتابنا هذا أنه قال: "يذهب العلماء ثم يتخذ الناس رؤساً جهالاً يسألون فيفتون بغير علم، فيضلون ويضلون" وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدى لرشده. قال: وقال عبيد الله بن المعتز: لا فرق بين بهيمة تقاد وإنسان يقلد. وهذا كله لغير العامة. فإن العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك لأن العلم درجات، لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة، والله أعلم. ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل، الآية: 43] .
قال: وقد احتج جماعة من الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية، بعد ما تقدم، فأحسن ما رأيت من ذلك قول المزني رحمه الله وأنا أورده، قال: يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم، أبطل التقليد، لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد، وإن قال: حكمت فيه بغير حجة، قيل له: فلم أرقت الدماء، وأبحت الفروج، وأتلفت الأموال، وقد حرم الله ذلك إلا بحجة؟ قال الله عز وجل: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس، الآية: 68] أي من حجة بهذا، قال: فإن قال: أنا أعلم أني قد أصبت، وإن لم أعرف الحجة لأني قلدت كبيراً من العلماء وهو لا يقول إلا بحجة خفيت عليَّ، قيل له: إذا جاز لك تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك فتقليد معلم معلمك أولى، لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك. فإن قال: نعم، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أبى ذلك نقض قوله، وقيل له: كيف تجوز تقليد من هو أصغر منك وأقل علماً ولا تجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علماً؟ وهذا