وغيرهم من الأموات الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن غيرهم فإنهم يحبونهم مع الله محبة تأليه وخضوع ويدعونهم ويرجونهم مع الله في المهمات والملمات والحوادث التي لا يكشفها ولا يجيب الدعاء فيها إلا فاطر الأرض والسموات. فقول هذا الملحد: "إنهم يتأولون في تكفير المسلمين آيات نزلت في حق المشركين" محض جهل وضلال، وتغيير للحقائق بقلب مسمياتها، فالمشرك مشرك شاء أم أبى، وعليه ينطبق ما توعد الله به أمثاله من المشركين قبله. فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب المجمع عليه عند علماء الأصول مما لا مجال للخلاف فيه. فإن القرآن العظيم كما نزل لأهل زمانه فإنه نزل لكافة الناس إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ، الآية:28] وقال تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة، الآية:3] ونحو ذلك من الآيات. فإن كان الأمر على ما زعمه هذا الملحد وأمثاله فينبغي أن يقتصر في حكم القرآن على المهاجرين والأنصار من المؤمنين وأهل الكتاب واليهود والنصارى والمشركين من العرب. فإن من يقول: نزلت آية كذا في كذا يقول في لفظ "يا أيها الذين آمنوا" في القرآن لأهل المدينة. ولفظ "يا أيها الناس" لأهل مكة، وغير ذلك مما يعتبر به المورد. وهذا لا يقوله مسلم ولكن هذا الملحد وأشياعه من أئمة الضلال يزعمون أن آيات الكتاب العزيز نزلت في حق أناس كانوا فبانوا، وليس يقع بعدهم شرك في هذه الأمة. وقصدهم بذلك إبطال العمل بنصوص الكتاب والسنة، وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف، الآية:5] قال البيضاوي: أنكر أن يكون أحد أضل من المشركين، حيث تركوا عبادة السميع المجيب القادر إلى من لا يستجيب لهم لو سمع دعاءهم، فضلاً أن يعلم سرائرهم، ويراعي مصالحهم إلى يوم القيامة ما دامت الدنيا وهم عن دعائهم غافلون، لأنهم إما جمادات وإما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم. انتهى. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم