فأما تحريق هذا الملحد لكتاب الله تعالى وتصرفه فيه بالزيغ: ففي قوله: "القائل من استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" فنسب تحريفه لهذه الآية وتصرفه فيها قولاً لله تعالى، والله تعالى يقول: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة، الآية: 256] فقد أسقط شرط الاستمساك بالعروة الوثقى، وأبدل جواب الشرط الذي هو "فقد استمسك "، بمن التي لا تنطبق على سياق الآية ولا تدل على معناها، وليست قولاً لله، كما زعمه الملحد. وقد قال الإمام أبو حيان في تفسيره على هذه الآية: فالشرط هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. وجوابه: " فقد أستمسك بالعروة الوثقى" وأبرز في صورة الماضي المقرون بقد، الدالة في الماضي على تحقيقه، وإن كان مستقبلاً في المعنى لأنه إشعار بأنه مما وقع استمساكه وثبت، ذلك للمبالغة في ترتيب الجزاء على الشرط وأنه كائن لا محالة لا يمكن أن يتخلف عنه، انتهى.
فمن هذا يتبين لك قدر أمانة هذا الملحد. فقد افترى أيضاً على بعض العلماء وحرف كلامهم عن مواضعه، وتقول عليهم ما لم يقولوه مما سيأتي بيانه في موضعه من رسالته هذه.
قال الملحد: "أما بعد أيها الإخوان المتلقبون بالمتنورين، أراكم تدعون الناس لبدعه الاجتهاد في الدين وغيرها من البدع التي جرت دعاتها قبلكم إلى ما لا نرضاه لكم، زين لهم الشيطان أعمالهم فظنوا أنهم من المهتدين. نحن وأنتم متفقون بالشهادتين مقرون بالأركان لا نختلف بأصول الإيمان ولا ننكر أركان الإسلام، غير أننا نقول بالمحكم ونرجع إليه، وأنتم تتبعون المتشابه وتعولون عليه. نحن نحتاط بما لا نرتاب، وأنتم لا تتحرجون مما يريب، نحن نعتمد