ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وذكرت له ما رأت فيها من الصور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله" وقد كان مبدأ هذا الغلو في الصالحين بعد موتهم في قوم نوح عليه السلام كما ذكره الله في كتابه العزيز قال الله تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح، الآيات: 21-23] " كانوا قوماً صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقطون المطر، فعبدوهم، ثم عبدتهم العرب". ذكره المفسرون عن ابن عباس وغيره من السلف، وروى ابن جرير بإسناده عن منصور عن مجاهد: "أفرأيتم اللات والعزى؟ قال: كان يلت لهم السويق"وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان يلت السويق للحاج" قال ابن القيم رحمه الله: فقد رأيت أن سبب عبادة يغوث ويعوق ونسراً واللات: إنما كانت من تعظيم قبورهم، ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقال شيخنا: وهذه هي العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور، انتهى.
فقد تبين مما سقناه في هذا الوجه: أن سبب عبادة الأولياء والصالحين هو الغلو في قبورهم، ولذلك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله.
الوجه الثاني: إن وضع هذا الحطام في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم أو على قبره الشريف، مخالف لما أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا والتجافي عنها تحقيراً لشأنها وترغيباً لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما لديه من النعيم المقيم، ومخالف لسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام في ذم الدنيا والزهد فيها، والرغبة فيما عند الله تعالى امتثالاً لأمره وإيماناً بصدق وعده قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ