لديه، ولم يخش لوم اللائمين، ولا كيد المحاربين، محمد بن سعود وبنوه ومن ساعدهم على ذلك وذووه، خلد الله ملكهم مدى الزمان، وأبقاه في صالح عقبهم ما بقي الثقلان، فشمر في نصرة الإسلام بالجهاد، وبذل الجد والجهد والاجتهاد، فقام في عداوته الأصاغر والأكابر، وجردوا عليه المدافع والقنابر، فلم يثن عزمه ما فعل المبطلون، وجاء أمر الله وهم كارهون. قال: فملأوا هذه الجزيرة بإدمان سيف نصرهم، كما ملأوها بسيل عدلهم وبرهم، واستبشرت بهم تلك البلدان لما أزالوا عنها من الجور والطغيان، والبناء على القبور والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان. ونادوا في فجاجها {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} [النحل، الآية: 90] فمهدوا السبيل لحج بيت الله الحرام، فسارت الظعينة إليه من العراق والشام، واليمن والبحرين والبصرة وما حول تلك الأقطار. لا تخشى إلا الله الواحد القهار، فبطلت جوائز الأعراب على الدروب، ولم يتجاسر أحد من سراقهم وفسقتهم – فضلاً عن رؤسائهم – أن يأخذ عقالاً (?) فما فوقه من الأثمان، فسماها الأعراب "سنين الكمام" لأنهم كموا جميع المظالم الصغار والجسام، فلا يلقى بعضهم بعضاً إلا بالسلام عليكم وعليكم السلام، والرجل يجلس مع قاتل أخيه كالأخوين، وزالت سنين الجاهلية ببركة الدين، وسيبت الأبل والخيل والجياد والبقر وجميع المواشي في الفلوات فكانت تلقح وتلد في مواضعها آمنات مطمئنات، وليس عندها من يرعاها ويحميها إلا من يأتيها غبا فيسقيها، وسارت عمالهم إلى جميع الأعراب، في الشام والعراق واليمن وأقصى الحجاز إلى ما وراء الينبع إلى دون مصر إلى عدن وما دون البصره والبحرين، وأقصى عمان وما احتوت عليه هذه الجزيرة من العربان. فيقبضون منهم الزكاة بالكمال، ويضربون من تعدى أو تخلف عن الجهاد، ويأخذون من ماله النكال، وهدموا القباب والمواضع الشركية في تلك الأقطار، وعمروا المساجد بالصلوات والدروس والأذكار، وكسروا صنم "ذي الخلصة" في تبالة بعدما اضطربت عليه أليات نساء دوس في الضلالة، ورقعت