إذا ثبت هذا: فهل يجب الإقرار؟ ينظر في الحق المقر به:
فإن كان لآدمي، أو حقا لله تعالى لا يسقط بالشبهة - كالزكاة والكفارة - ودعت الحاجة إلى الإقرار به.. لزمه الإقرار به؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] [النساء: 135] ، ولا يكون شهيدا على نفسه إلا بالإقرار.
وإن كان حقا لله تعالى يسقط بالشبهة - كحد الزنا والسرقة والشرب - ولم يظهر عليه.. لم يجب عليه أن يقر به، بل يستحب له أن يكتمه، وقد مضى بيان ذلك.
مسألة: [لا يجوز الإقرار إلا من مكلف] :
قال الشافعي: (ولا يجوز الإقرار إلا من بالغ رشيد) .
وجملة ذلك: أن الناس على ضربين: مكلف وغير مكلف.
فأما (غير المكلف) : فهو الصبي والمجنون، فلا يصح إقرارهما بحق من الحقوق.
وقال أبو حنيفة: (إذا كان الصبي مميزا.. صح إقراره إذا أذن الولي له بالبيع والشراء، فيصح إقراره به) .
دليلنا: أنه لا يصح منه ذلك، وقد مضى.
فإن أقر مراهق وادعى أنه غير بالغ، وادعى المقر له أنه بالغ.. لم نحكم بصحة إقراره حتى يقيم المقر له البينة على بلوغه؛ لأن الأصل عدم بلوغه. فإن سأله المقر له أن يحلف له.. لم يتوجه عليه اليمين؛ لأنا حكمنا أنه غير بالغ. فإذا ثبت بلوغه بعد ذلك وادعى المقر له أنه كان بالغا وقت إقراره له وسأله أن يحلف له بعد بلوغه.. توجهت عليه اليمين؛ لأنه قد صار بالغا.
ولا يصح إقرار المكره؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولأن المكره غير داخل في التكليف. ولا يصح إقرار المغمى عليه؛ لأنه غير مكلف.
وأما (المكلف) : فعلى ضربين: محجور عليه وغير محجور عليه.
فأما (غير المحجور عليه) فإقراره صحيح.