وإن كان يكثر منه السهو والغلط - وهو الذي يسمى بالمغفل - لم تقبل شهادته؛ لأن في قبول شهادته تضييعا للحقوق؛ لأنه لا يؤمن أن يسهو ويغلط في شهادته على ما هو الأغلب في أمره. هذا نقل أصحابنا العراقيين.
وقال أصحابنا الخراسانيون: تقبل شهادة المغفل إذا كانت مفسرة؛ مثل أن يقول: أشهد أن لفلان على فلان كذا أقر له به، أو اقترضه منه وما أشبهه. ولا تقبل شهادته إذا كانت غير مفسرة؛ مثل أن يقول: أشهد أن لفلان على فلان كذا وكذا، فلا تقبل شهادته. وهل تقبل شهادة الأخرس إذا كانت له إشارة مفهومة؟ فيه وجهان:
أحدهما: تقبل؛ لأن إشارته كعبارة غيره؛ ولهذا جعلت إشارته كعبارة غيره في البيع وغيره.
والثاني: لا تقبل؛ لأن إشارته إنما جعلت كعبارة غيره للضرورة، ولا ضرورة هاهنا في شهادته؛ لأنها تصح من الناطق.
ولا تقبل شهادة العبد بقليل ولا كثير على حر ولا عبد. وبه قال عمر، وابن عمر، وابن عباس، والحسن البصري، وعطاء، ومجاهد، وشريح، ومالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه. وروي عن أنس: أنه قال: (تقبل شهادة العبد في كل قليل وكثير على الحر والعبد) .
وقال علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (تقبل شهادة العبد على العبد، ولا تقبل على الحر) . وبه قال عثمان البتي، وأحمد، وإسحاق، وداود.