إذا وجب حد الزِّنَى أو السرقة أو الشرب على حر.. لم يجز استيفاؤه إلا للإمام أو لمن فوض إليه الإمام ذلك؛ لأن الحدود في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي زمن الخلفاء الراشدين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لم تستوف إلا بإذنهم، ولأن استيفاءها يفتقر إلى نظر واجتهاد، فلا يصح استيفاؤها إلا من الإمام أو النائب عنه.
وأمَّا حد القذف: فيصح استيفاؤه للإمام، فإن تحاكم المتقاذفان إلى رجل من الرعية يصلح أن يكون حاكما.. فهل يصح حكمه فيه واستيفاؤه له؟ فيه وجهان، نذكرهما في موضعهما إن شاء الله.
ويجوز للإمام أن يحضر موضع الرجم، ولا يلزمه الحضور.
وحكي: أن أبا حَنِيفَة قال: (يلزمه الحضور) .
دليلنا: أنه رجم في زمن النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماعز، والغامدية، والجهنية، واليهوديان، ولم يرو: (أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حضر رجم أحدهم) .
وإن ثبت الزِّنَى بالبينة.. لم يلزم البينة حضور الرجم، فإن حضروا.. لم يلزمهم البداية بالرجم. وكذلك إذا حضر الإمام.. لم يلزمه البداية بالرجم، وبه قال مالك.
وقال أبُو حَنِيفَة: (يلزم البينة الحضور ويلزمهم البداية بالرجم، ثم الإمام، ثم الناس) . وإن ثبت الزِّنَى باعتراف الزاني.. لزم الإمام البداية بالرجم، ثم الناس.
دليلنا: أنه قد رجم جماعة في زمن النَّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يرو: (أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأ برجم