مع القدرة عليه.. انتقضت الهدنة في حق الجميع؛ لأنهم صاروا مظاهرين لأهل الحرب. فإن لم يقدروا على أحدهما.. كان حكمهم حكم الأسارى من المسلمين مع المشركين، وقد مَضَى بيانه.
ومن اعترف منهم أنه نقض العهد، أو قامت عليه البينة.. فلا كلام. ومن لم تقم عليه البينة أنه نقض وادعى أنه لم ينقض.. قبل قوله مع يمينه؛ لأن الأصل عدم نقضه.
إذا ثبت هذا: وفعلوا ما يوجب النقض.. نظرت: فإن كان ذلك الفعل لا يجب به حق؛ مثل: أن آووا عينا للمشركين على المسلمين، أو كاتبوا المشركين بأخبار المسلمين.. فقد صاروا حربا لنا، ويجب ردهم إلى مأمنهم، ولا شيء عليهم فيما فعلوه.
وإن فعلوا ما يجب به حق، فإن كان الحق محضا للآدمي، كالقصاص، وضمان المال، وحد القذف.. استوفي منهم؛ لأن عقد الهدنة اقتضى الكف عن أموالنا وأعراضنا وأموالهم وأعراضهم، فإذا لم يكفوا.. لزمهم الضمان. وإن كان الحق محضا لله تَعالَى؛ بأن زنوا بمسلمة، أو شربوا الخمر.. لم يجب عليهم الحد؛ لأنهم لم يلتزموا بالهدنة حقوق الله تَعالَى. وإن كان الحق لله إلا أنه يتعلق بحق الآدمي؛ بأن سرق سارق منهم نصابا من مال مسلم أو ذمي أو معاهد من حرز مثله.. فهل يجب عليه القطع؟ فيه قولان، مَضَى ذكرهما.
وإن ظهر من المعاهدين أمارة تدل على نقضهم وغدرهم.. قال الشيخُ أبُو حامد: انتقضت هدنتهم. وقال الشيخُ أبُو إسحاق وابن الصبَّاغ: جاز للإمام أن ينبذ إليهم عهدهم، وهو المنصوص؛ لأن الشافعيَّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (ينبذ إليهم عهدهم) ؛