فأما إذا حفرها في ملك غيره، فإن كان بإذنه.. لم يجب عليه ضمان من يقع فيها؛ لأنه غير متعد في الحفر، وإن حفرها بغير إذنه.. وجب عليه ضمان من يقع فيها؛ لأنه متعد بالحفر، فإن أبرأه صاحب الملك عن ضمان من يقع فيها. فهل يبرأ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا يبرأ؛ لأنه إبراء عما لم يجب.

والثاني: يبرأ؛ لأنه كما لو أذن له في حفرها.

قال أبو علي الطبري: فإن قال صاحب الملك: كان حفرها بإذني.. لم يصدق، خلافاً لأبي حنيفة.

وإن حفرها في طريق المسلمين، فإن كان ضيقاً.. وجب عليه ضمان من يقع فيها؛ لأنه تعدى بذلك، وسواء أذن له الإمام في ذلك أو لم يأذن له؛ لأنه ليس للإمام أن يأذن له فيما فيه ضرر على المسلمين، وإن كان الطريق واسعاً لا يستضر المسلمون بحفر البئر فيه، كالطريق في الصحارى، فإن حفرها بإذن الإمام.. لم يجب عليه ضمان من يقع فيها، سواء حفرها لينتفع بها أو لينتفع بها المسلمون؛ لأن للإمام أن يقطع من الطريق إذا كان واسعاً، كما له أن يقطع من الموات. وكذلك: إن حفرها بغير إذن الإمام، فأجاز له الإمام ذلك.. سقط عنه الضمان.

وإن حفرها بغير إذن الإمام، فإن حفرها لينتفع هو بها.. وجب عليه ضمان من يقع فيها؛ لأنه ليس له أن ينفرد بما هو حق لجماعة المسلمين بغير إذن الإمام؛ لأن ذلك موضع اجتهاد الإمام.

وإن حفرها لينتفع بها المسلمون.. فهل يجب عليه ضمان من يقع فيها؟ حكى الشيخان فيها وجهين، وحكاهما غيرهما قولين:

أحدهما - حكاه القاضي أبو حامد عن القديم -: (أنه يجب عليه الضمان) ؛ لأنه حفرها بغير إذن الإمام، فهو كما لو حفرها لنفسه.

والثاني - حكاه القاضي أبو الطيب عن الجديد -: (أنه لا يجب عليه الضمان) ؛ لأنه حفرها لمصلحة المسلمين، وقد يحتاجون إلى ذلك، فهو كما لو حفرها بإذن الإمام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015