والأول أصح؛ لأنه ماءٌ قليلٌ قد وردت عليه النجاسة، والقصد غير معتبر في إزالة النجاسة، ولهذا يطهر الثوب بغسل المجنون، وبماء المطر.
] : حكى الشيخ أبو حامدٍ، والمحاملي، وصاحب " الإفصاح ": أن أبا العباس ابن القاص قال: إذا كان الثوب كله نجسًا، فغسل نصفه، ثم عاد إلى ما بقي، فغسله.. فإنه لا يطهر حتى يغسله كله. قال: لأنه إذا غسل نصفه.. فالجزء الرطب الذي يلاصق الجزء اليابس النجس ينجس به؛ لأنه يلاصق ما هو نجسٌ، ثم الجزء الذي بعده ينجس بملاصقته الجزء الأول، ثم الذي بعده ينجس بملاصقته، حتى تنجس الأجزاء بعضها ببعض إلى آخر الثوب.
وقال الشيخ أبو حامدٍ: غلط أبو العباس، بل يطهر الثوب؛ لأن الجزء الذي يلاصق ذلك الجزء النجس من الثوب ينجس به؛ لأنه لاقى عين النجاسة. فأما الجزء الذي يلاصق ذلك الجزء: فإنه لا ينجس به؛ لأنه لاقى ما هو نجسٌ حكمًا لا عينًا، ألا ترى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«إن كان جامدًا.. فألقوها وما حولها» .
فحكم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بنجاسة الجزء الذي يلاصق الفأرة من السمن، دون سائر الأجزاء، فعلم بهذا: أن الجزء الذي يلاصق عين النجاسة ينجس به، وما لاقى ذلك الجزء لا ينجس. ولو كان الحكم كما ذكر ابن القاصَ.. لوجب أن ينجس السمن كله.
وأما ابن الصباغ: فحكى: أن ابن القاص قال: إذا غسل نصفه في جفنةٍ، ثم عاد إلى ما بقي فغسله.. لم يطهر حتى يغسله كله. وحكى عن أبي العباس العلة التي حكاها عنه الشيخ أبو حامدٍ.
قال ابن الصباغ: والأمر على ما قاله أبو العباس، إلا أنه أخطأ في الدليل، بل الدليل على صحة ما ذهب إليه: أن الثوب إذا وضع نصفه في الجفنة، وصب عليه ماءٌ يغمره.. فلا بد أن يكون هذا الماء ملاقيًا لجزء مما يغسله من الثوب، وذلك الجزء