الثاني - وهو الأصح -: أنه لا يفتقر إلى قبوله؛ لأنه إسقاط وليس بتمليك عين، فلم يفتقر إلى القبول، كإسقاط الشفعة والقصاص والعتق، بخلاف الهبة، فإنها تمليك عين.

ولا يصح الإبراء من دين مجهول؛ لأنه إزالة ملك، فلم يصح مع الجهل به، كالهبة. فإن قال: أبرأتك من دينار إلى مائة دينار، وكان يعلم أنه يستحق ذلك عليه.. صحت البراءة. وإن أبرأه من دين وكان من له الدين لا يعلم أنه يستحق ذلك عليه، ثم بان أنه كان يستحقه عليه.. فهل تصح البراءة؟ فيه وجهان:

أحدهما: تصح البراءة؛ لأنها وافقت وجوب الدين.

والثاني: لا تصح، وهو الأصح؛ لأنه عقد البراءة، وهو متلاعب.

وإن قال: تصدقت عليك بالدين الذي لي عليك.. صح ذلك، وكان براءة بلفظ الصدقة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] [النساء: 92]

وقَوْله تَعَالَى:

{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] [البقرة: 280]

وأراد بالصدقة في الآيتين البراءة.

قال أبو العباس: وهذا يدل على صحة البراءة بلفظ الصدقة، وعلى أن الصدقة تصح على الغني والفقير، وعلى أن صدقة التطوع تصح على بني هاشم، وبني المطلب؛ لأنه لم يفرق في الآيتين.

وإن وهب دينه لمن هو في ذمته.. صحت الهبة وجها واحدا؛ لأن الهبة والصدقة واحد، فإذا صحت الصدقة.. صحت الهبة، وهل يكون حكمها حكم الإبراء؛ لا يفتقر إلى القبول على الأصح، أو حكم الهبة يفتقر إلى القبول، ولا يلزم حتى تمضي مدة يتأتى فيها القبض؟ على وجهين.

فإن وهب من له الدين دينه لغير من هو عليه، أو باعه منه، وكان الدين مستقرا. فهل يصحان؟ فيه وجهان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015