إذا ثبت هذا: فإلى من ينتقل الملك في الوقف؟

نص الشافعي ها هنا: (أن الملك ينتقل فيه إلى الله تعالى) ونص في (الشهادات) : (أن الرجل إذا ادعي أن أباه وقف عليه، وأقام عليه شاهدًا واحدًا.. حلف معه) .

فمن أصحابنا من قال: هذا يدل على أن الملك انتقل إلى الموقوف عليه؛ لأنه حكم بثبوت الوقف بشاهد ويمين، ولو انتقل إلى الله تعالى.. لم يحكم بثبوته بشاهد ويمين، كما قلنا في العتق، فتكون المسألة على قولين:

أحدهما: ينتقل الملك فيه إلى الموقوف عليه، إلا أنه لا يملك التصرف في رقبته؛ لأن الوقف متمول، بدليل أنه يجب على متلفه القيمة، وما كان متمولًا، فإن الملك فيه للآدمي، كالحربي إذا استرق، والصيد.

والثاني: أنه ينتقل إلى الله تعالى، وهو الصحيح؛ لأنه معنى يزيل الملك، لا يقصد به الانتفاع بالرقبة، فانتقل إلى الله تعالى كالعتق.

وقال أبو العباس: ينتقل إلى الله تعالى قولًا واحدًا، لما ذكرناه. وإنما حكم الشافعي فيه بالشاهد واليمين؛ لأن ملك المنفعة للموقوف عليه، والمنافع تثبت بالشاهد واليمين.

وحكى القاضي أبو الطيب طريقًا ثالثًا: أن الملك ينتقل إلى الموقوف عليه قولًا واحد. وحيث قال الشافعي: (يملك الموقوف عليه منفعته لا رقبته) أراد به: لا يملك بيع رقبته ولا هبتها، والصحيح الطريق الأول.

وأما منفعة الوقف: فإنها ملك للموقوف عليه بلا خلاف.

فإن كان الموقوف شجرة.. ملك الموقوف عليه ثمرتها، وتجب فيها الزكاة؛ لأنه يملكها.

وإن كان الموقوف نصابًا من الماشية على رجل تجب عليه الزكاة، وحال عليها الحول، فإن قلنا: إن الملك فيها لله تعالى.. لم تجب فيها الزكاة، وإن قلنا: إنها في ملك الموقوف عليه، فهل تجب الزكاة عليه؟ فيه وجهان مضى ذكرهما في الزكاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015