أحدها: أن تركه في الموضع الذي وجده فيه أرجى لظهور نسبه من الموضع الذي ينقله إليه.
والثاني: أن الحضر أوفق للقيط، وأحظ له؛ لأنه يوجد في الحضر ما يحتاج إليه لتربية الطفل، ولا يوجد ذلك في البادية.
والثالث: أن تركه في الحضر أظهر لحريته؛ لأنه إذا أقام به في المصر.. علم الناس به. وإذا خرج به إلى البادية. لا يؤمن أن يسترقه الملتقط، أو يموت فيسترقه وارثه.
وإن أراد الملتقط أن ينتقل به إلى مصر أو قرية مثل الموضع الذي وجده فيه.. ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنه ينقله إلى مثل الموضع الذي وجده فيه.
والثاني - وهو المذهب -: أنه لا يجوز، لما ذكرناه إذا أراد الانتقال به إلى البادية.
وإذا ثبت هذا: فإن الشافعي قال: (ولو أراد الذي التقطه الظعن به، فإن كان يؤمن أن يسترقه. فذلك له، وإلا.. منعه) .
قال أصحابنا: أراد بهذا: أن الرجل إذا التقط لقيطا، وثبتت ولايته عليه بكونه أمينًا، ثم أراد بعد ذلك أن يظعن من ذلك البلد، وينتقل إلى بلد أخر، أو قرية أخرى، وينقل اللقيط معه. فإن كان يؤمن أن يسترقه، بأن يكون قد عرفت أمانته، وخبر في الظاهر والباطن.. فله أن ينقله مع؛ لأنه قد ثبت له حق الولاية والتربية، فكان أولى من غيره لثبوت يده عليه وولايته. وإن لم يؤمن أن يسترقه، مثل أن لم تختبر أمانته في الظاهر والباطن.. لم يقر في يده؛ لأنه لا يؤمن أن يسترقه.
فإن قيل: هذا مناقضة على قول الشافعي؛ لأن اللقيط لا يقر إلا في يد أمين، فكيف قال ها هنا: (إذا أراد أن يظعن به - إن كان يؤمن أن يسترقه - ترك، وإلا منع) ؟