وحكى ابن الصباغ: أن أبا حنيفة قال في اللقطة أيضا: (إنه يبرأ بذلك) كما قال في الوديعة.
ودليلنا: أنه لما أخذها.. فقد التزم حفظها فإذا تركها في الموضع الذي وجدها فيه.. فقد ضيعها، فلزمه ضمانها، كما لو رماها إلى موضع آخر.
وإن أخذ اللقطة من موضعها بنية تملكها في الحال.. ضمنها بالأخذ، ولا يبرأ بالتعريف. وإن عرفها بعد ذلك. فهل يملكها؟ فيه وجهان، حكاهما المسعودي [في " الإبانة " ق \ 358] :
أحدهما: لا يملكها، لأنها دخلت في ضمانه، فهو كما لو أخذها غصبا.
والثاني: يملكها، وهو الأصح؛ لظاهر الأخبار، ولم يفرق، ولأن سبب التملك هو التعريف، وقد وجد.
وإذا وجد رجلان لقطة، فأخذاها معا.. كانت بينهما بعد التعريف، كما إذا أثبتا صيدا، وإن رأياها معا فبادر أحدهما وأخذها.. كانت لمن أخذها؛ لأن استحقاق اللقطة بالأخذ دون الرؤية، كما قلنا في الاصطياد.
فإن رآها أحدهما، فقال لصاحبه: أعطنيها، فأخذها الآخر؛ فإن أخذها لنفسه.. كان أحق بها؛ لأن استحقاقها بالأخذ دون الرؤية، وإن أخذها لصاحبه الذي أمره بأخذها، فهل تكون للآمر؟ فيه وجهان، بناء على القولين في التوكيل في الاصطياد والاحتشاش.
وإن أخذ رجل اللقطة فضاعت منه، ووجدها آخر.. فإن الثاني يعرفها، فإن جاء مالكها، وأقام البينة عليها.. وجب عليه ردها إليه؛ لأنه هو المالك لها. وإن لم يجد مالكها ولكن جاء الملتقط الأول، وأقام البينة على التقاطه لها.. وجب على الثاني ردها إليه؛ لأن الأول قد ثبت له عليها حق بالالتقاط، فوجب ردها إليه كما لو تحجر مواتا.