والثاني: ماء مباح في موضع مملوك.
والثالث: ماء نبع في ملك.
فأما الماء المباح في موضع مباح: فمثل الماء في الأنهار العظيمة، كدجلة والفرات، وما جرى من ذلك إلى نهر صغير، وكالسيول في الموات، فهذا الماء الناس فيه شرع واحد، لكل أحد أن يأخذ منه، ومن قبض منه شيئًا.. ملكه، وفيه ورد قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الناس في ثلاثة شركاء: الماء والنار والكلأ» .
وأما الماء المباح في موضع مملوك: فمثل أن يحفر رجل ساقية إلى أرضه، ويرد فيها الماء من هذه الأنهار العظيمة، أو ينزل في أرضه ماء من المطر.. فهذا الماء مباح؛ لأنه ليس من نماء أرضه، وإنما هو على أصل الإباحة. ولا يملك المباح إلا بالتناول وهو: أن يأخذه في جرة أو جب، إلا أن صاحب الأرض أحق به لكونه في أرضه، ولا يجوز لغيره أن يدخل إلى أرضه بغير إذنه، فإن خالف الغير ودخل إلى هذه الأرض، وأخذ شيئًا من هذا الماء.. ملكه، وكان متعديًا بدخول أرض غيره بغير إذنه.
قيل للشيخ أبي حامد: فإن سقى الرجل زرعه بماء مباح، أيملك الماء الذي في أرضه بين زرعه؟ قال: لا يملكه، كما لو دخل الماء إلى أرضه وفيه سمكة، فإنه لا يملك السمكة بدخولها إلى أرضه، وإنما يكون أحق بها من غيره.
وإن توحل في أرضه ظبي، أو عشش فيه طائر.. فإنه لا يملكه لكونه في أرضه، ولكن لا يجوز لغيره أن يدخل إلى أرضه ويأخذ هذا الظبي والطير منها؛ لأنه لا يجوز له التخطي فيها بغير إذن مالكها، فإن خالف ودخلها، وأخذ الظبي والطير منها.. ملكه بالأخذ.
وحكى الطبري في " العدة " وجهًا آخر:
أنه يملك الظبي المتوحل في أرضه والطائر الذي عشش في أرضه، وليس بشيء. وإن نصب رجل شبكة فوقع فيها صيد.. ملكه؛ لأن الشبكة كيده.
وأما الضرب الثالث ـ وهو الماء الذي ينبع في موضع مملوك ـ: فهو: أن ينبع في