وإنما حد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حريم البئر بأربعين ذراعًا على عادة أهل الحجاز؛ لأنهم كانوا يحفرون آبارًا عميقة يغور الماء فيها، فيحتاج أن يمشي الثور فيها أربعين ذراعًا.
وأما الخبر الذي رواه أحمد: فمختلف، وإن صح حملناه على ما تدعو الحاجة إليه.
قال الشيخ أبو حامد: وللدار حريم، فإذا حفر إنسان في فنائها وأصل حيطانها.. منع منه.
قال ابن الصباغ: وعندي أن حيطان الدار لا فناء لها ولا حريم، ألا ترى أنه لو أراد رجل أن يحيي إلى جنبها دارًا.. لم يلزمه أن يبعد عن فنائها؟ وإنما يمنع من حفر البئر في أصل الحائط؛ لأنه يضر به، وينبغي إذا كان لا يضر به أن يجوز.
وهل يكون صاحب العامر مالكًا لمرافق العامر من الموات؟
حكى ابن الصباغ: أن الشيخ أبا حامد قال: لا يكون مالكًا له، وإنما يكون أحق به؛ لأنه لم يحصل له فيه إحياء، فلم يملكه.
وقال القاضي أبو الطيب: يكون مالكًا له؛ لأنه تابع للعامر، فلما كان مالكًا للعامر.. ملك ما تبعه.
قال ابن الصباغ: وهذا أقيس؛ لأن العامر إذا بيع دخلت هذه الحقوق في البيع، ولأن معنى الملك في هذه الحقوق موجود، فإنه لا يجوز لأحد إحياؤها، وقد اختلفوا في ثبوت الشفعة في الطريق، وهذا يدل على ثبوت الملك فيها.
وأما الموات: فعلى ضربين:
ضرب: لم يجر عليه ملك قط لأحد، فهذا يجوز إحياؤه وتملكه، وهذا الذي ورد فيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أحيا أرضًا ميتة.. فهي له» .
والضرب الثاني: موات قد كان جرى الملك عليه لمسلم ثم مات، أو غاب وخربت الأرض وصارت كالموات، فإن كان المالك لها معروفًا.. فهذا لا يجوز إحياؤه بلا خلاف، كما قلنا في العامر، وإن كان المالك لها غير معروف.. قال الشيخ أبو حامد: فلا يملك ذلك بالإحياء عندنا.