إذا ثبت هذا: فإن الإحياء لا يفتقر إلى إذن الإمام. وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز إحياء الموات إلا بإذن الإمام) .
وقال مالك: (إن كان قريبًا من العمران في موضع يتشاح الناس فيه.. افتقر إلى إذن الإمام، وإلا.. لم يفتقر) .
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أحيا أرضًا ميتة.. فهي له» ، و «من أحاط حائطًا على أرض.. فهي له» ولم يفرق بين أن يكون بإذن الإمام، أو بغير إذنه، ولأنها عين مباحة، فلم يفتقر تملكها إلى إذن الإمام، كالصيد والحشيش.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فهي لكم مني» أراد: هي لكم أن تحيوها.
والبلاد على ضربين: بلاد إسلام وبلاد شرك. فأما بلاد الإسلام فعلى ضربين: عامر وموات.
فأما العامر: فهو لمالكه، ولا يجوز لأحد أن يتصرف في شيء منه إلا بإذن مالكه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه.. طوقه الله إياه يوم القيامة إلى سبع أرضين» .
إذا ثبت هذا: فإن كان هذا العامر يجاور مملوكًا، كالدور والأرض المتلاصقة.. فإن ملك كل واحد منهما لا يتجاوز إلى ملك غيره، إلا أن يكون له في ملك غيره رسم مسيل ماء، أو طريق، فله ذلك، ولكل واحد منهما أن يتصرف في ملكه بما شاء من وجوه التصرفات وإن كان فيه ضرر على جاره.
وإن كان العامر يجاور مواتًا.. فلصاحب العامر من الموات الذي يجاور ملكه ما لا يمكنه الانتفاع بالعامر إلا به، مثل الطريق، ومسيل الماء الذي يخرج من الدار، وما تحتاج إليه الأرض من مسيل الماء.